ما ألذه من شعور يكتنف
قلوبنا ونحن في أول أيام شهر الخير
والبركات . فها قد
أظلنا شهر الكنوز العظيمة ، شهر
الرحمة
والمغفرة والعتق من
النار . سيد الشهور ، وميدان السباق
والتنافس . يشمر فيه
المشمرون ، ويغتنمه العاقلون ، ويفرح
بقدومه المؤمنون ،
{ شهر
رمضان الذي أنزل فيه القرآن
هدى
للناس وبينات من الهدى والفرقان
}
البقرة 185.
رمضان حديقة وارفة الظلال
، دانية الثمار ، يدخلها المؤمنون
منذ أول ليلة منه ،
فيقبلون بشوق وحماس ونشاط على كل
ألوان العبادة
والطاعات ، لأنهم يعلمون ما فيه من
المزايا
والرحمات.
كان رسولنا صلى الله عليه
وسلم يهنئ أصحابه بقدوم رمضان
فيقول
( أتاكم رمضان شهر مبارك ، فرض الله عز
وجل عليكم صيامه ،
تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق
فيه أبوا ب الجحيم ،
وتغل فيه مردة الشياطين . لله
فيه ليلة خير من ألف شهر .
من حرم
خيرها فقد حرم )
[ رواه النسائي ،
وصححه الألباني ، صحيح الجامع 55 ]
وفي صحيح البخاري
(إذا
جاء رمضان فتحت أبواب الجنة )
زاد مسلم
( وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ
وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ )
وفي رواية
عند مسلم
(
فتحت أبواب الرحمة )
وفي الحديث أيضاً
(إذا كان
أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين و
مردة
الجن و غلقت أبواب النار فلم
يفتح منها باب و فتحت أبواب
الجنة فلم يغلق منها باب و
ينادي مناد كل ليلة : يا باغي
الخير
أقبل و يا باغي الشر أقصر و لله عتقاء من
النار و ذلك كل ليلة )
رواه الترمذي وابن
حبان وابن خزيمة وحسنه الألباني
[ صحيح الجامع 759
]
فيالها من بشارات عظيمة .
بشارات للطائعين أن يستزيدوا
فأبواب الجنة
مفتوحة ، وبشرى للعاصين أن يرجعوا
ويتوبوا
فأبواب النار موصدة
، والرحمات متنزلة . وبشرى للعقلاء
أن
يغتنموا هذا الموسم
فمردة الشياطين مغلولة مصفدة .
رمضان أيها الأحباب ؛
مدرسة للتعلم والتعليم ، والتوبة
والإنابة
، ومحطة للتزود
بالطاعات والنوافل . رمضان خلوة العابدين
مع
خالقهم في لياليه
وأيامه ، وإخلاص لله وحده في الطاعات
والصيام
( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ،
الصوم لي وأنا أجزي به ) ،
ودِربة للنفس على
المجاهدة والصبر على الطاعات وترك العصيان
.
رمضان فرصة للمغفرة ،
فرصة للتوبة ، وغسل الأوزار والخطايا
.
فيا فوز الطائعين ، ويا
فوز الصائمين ،
ويا فوز القائمين ،
ويا فوز التالين الذاكرين .
دموع الفرحة تغمرني
بقدومك يا رمضان ، لأن الله قد مدّ
في
عمري حتى بلغني
إياك ، فأعلن توبتي ، وأعود إلى ربي
،
فأستزيد من الطاعات
، في حين شهدت بعيني رحيل كثير
ممن فاجأهم الموت وقد
كانوا يؤملون قدومك يا رمضان .
دموع الفرحة تغمرني يا
رمضان ، وأنا أتأمل في تلك العافية
التي
من الله بها عليّ
لأتقوى بها على الطاعة ، وأستغلها في
الصيام
والقيام وتلاوة
القرآن والاستزادة من النوافل والقربات . في
حين
أن البعض قد أقعدهم
المرض فأذهب عنهم لذة هذه الفرحة .
دموع الفرحة تغمرني يا
رمضان ، لأنني لازلت أشعر بألم تجاه
رمضان الفائت ،
الذي مرت أيامه متسارعة ولم أحصل فيها
ما
أردت من الخيرات ،
وقد تثاقلت عن كثير من الحسنات ،
وفرطت
في القيام والطاعات
، فجئت يا رمضان لتعطيني فرصة وشحنة
إيمانية لاستدراك
ما فات
فلماذا لا تدمع عيني وأنا
في مثل هذا النعيم . لماذا لا تدمع
عيني فرحاً وأنا أستقبل
شهر الصيام والقيام والقرآن .
( من
صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من
ذنبه )
( من
قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه
)
هكذا قال عليه
الصلاة والسلام .
فيا من أدرك هذا الشهر ،
ها هو رمضان يناديك ، أقبل ، عد إلى
ربك ، فمتى ستفيق
من غفلتك ، ومتى ستنتبه من رقادك ،
ومتى ستقبل على
الله إن لم تقبل الان .
ألا ترى تهجد المتهجدين ،
وتسمع تلاوة التالين ، وبكاء
الخاشعين ، وأنين
العائدين التائبين ، واستغفار المستغفرين
.
اعقد العزم أخي ، واعقدي
العزم أخيتي ، على الصيام والقيام
والتوبة والاستكثار
من الطاعات عسى أن نكون من المقبولين
المعتقين
.
وفقني الله وإياك للصيام
والقيام وصالح الأعمال ،
وبلغني وإياكم تمام الشهر
، وتقبل مني ومنكم .
وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه