صور المسؤولية المدنية للأبناك

صور المسؤولية المدنية للأبناك





تنقسم المسؤولية المدنية بشكل عام إلى مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية، حيث نكون أمام مسؤولية عقدية في حالة الإخلال بالتزام عقدي، ونكون أمام مسؤولية تقصيرية في حالة الإخلال بالتزام قانوني.

أما بالنسبة للالتزامات التي يترتب على خرقها قيام المسؤولية العقدية، فتنقسم إلى الالتزام ببذل عناية والالتزام بتحقيق نتيجة. فإذا كان محل الالتزام يفرض على البنك مجرد بدل عناية، فإن مسؤوليته العقدية تقوم في حالة عدم قيامه بتلك العناية بالدرجة المتفق عليها، أو بالدرجة التي تقتضيها طبيعة الالتزام. أما إذا كان ملتزما بنتيجة، فإن مسؤوليته العقدية تقوم في حالة عدم تحقق النتيجة المتفق عليها. ومثال ذلك التزام البنك برد الوديعة، إذ أنه لا يسقط إلا بتسليم مبلغ الوديعة إلى المودع أو إلى من يوكله لذلك.

أما المسؤولية التقصيرية للبنك فتقوم في الحالة التي لا يجمع فيها بين العميل والمؤسسة البنكية أي عقد أو اتفاق، أو في حالة وجود عقد باطل بينهما، أو في حالة وجود عقد صحيح إلا أن الضرر لم ينشأ عن الإخلال بالتزام ناشئ عنه، وإنما نتج عن الإخلال بالتزام يفرضه القانون.

كما تجدر الإشارة إلى أن المسؤولية المدنية للبنك يمكن أن تقرر عن الضرر الذي يحدثه مستخدموه للزبناء أو للغير، استنادا إلى مسؤولية البنك عن أعمال تابعيه، التي تقوم على أساس قرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس. أما بالنسبة للضرر الذي يتسبب فيه أحد أعضاء مجلس الإدارة فيعتبر كأنه صدر مباشرة من البنك باعتباره شخصا معنويا، إذ لا يمكن الفصل بين البنك كشخص معنوي، وبين العضو الذي يسيره.

وبالرجوع إلى الالتزامات المفروضة على المؤسسة البنكية باعتبارها مودعا لديه، نجد أن أبرزها يتمثل في رد الوديعة إلى العميل، تحت طائلة تحملها مسؤولية ذلك، ولا شك أن مسؤولية البنك في هذا الإطار هي مسؤولية عقدية طالما أن البنك خرق التزاما عقديا يفرض ضرورة إرجاع الوديعة إلى الزبون عند مطالبته بذلك. وهو ما يعطي للمودع الحق في مطالبة البنك بتعويض يساوي مبلغ الوديعة والفوائد الناتجة عن التأخير.

كما تقوم المسؤولية العقدية للبنك في حالة إخلاله بالتزام حفظ الوديعة، وتتضح هذه الصورة بدرجة أكبر في الحالة التي يعمد فيها الزبون إلى تقديم شيك أو كمبيالة إلى البنك من أجل استخلاص مبلغها وإيداعه بحساب الودائع، حيث يكون البنك ملزما بالحفاظ على ذلك الشيك من الضياع، وفي حالة عدم تمكنه من استخلاص قيمته يتوجب عليه أن يعيده إلى العميل ليقوم بعملية الاستخلاص بنفسه.

وباعتبار أن طبيعة عقد الوديعة تقتضي أن يقوم المودع من حين لآخر بتغذية حسابه، فإن مسؤولية البنك العقدية قد تثار في حالة امتناعه عن تسلم المبالغ التي يدفعها العميل سواء اتخذ هذا الإيداع شكل أموال سائلة أم اتخذ شكل شيكات أو كمبيالة مسحوبة على الغير.

ولما كان عقد إيداع النقود من العقود الملزمة لجانبين، فلا يمكن للبنك أن يفسخه قبل نهاية مدته دون أن يقوم بإخطار المودع، وإلا تحمل المسؤولية العقدية نتيجة قيامه بذلك.

أما المسؤولية التقصيرية للبنك فتنتج عن إخلاله بالالتزامات التي يفرضها عليه القانون، ومثال ذلك التزامه بالحفاظ على سرية حساب المودع، إذ لا يجوز للبنك أن يسرب إلى الغير مبلغ الوديعة النقدية، ولا رقمها ولا أي بيان من شأنه أن يستغل ضد المودع، أما إذا خرق البنك هذا الالتزام فإنه يكون مسؤولا عن ذلك مسؤولية تقصيرية.

وعلى العموم فإن البنك يسأل على أساس المسؤولية التقصيرية، إذا كان الالتزام الذي تم خرقه ليس التزاما عقديا، أو إذا كان العقد باطلا أو تقرر بطلانه، إلا أنه جرت العادة أن يسأل البنك مسؤولية تقصيرية في مواجهة الغير طالما أنه لا يجمعه بهم أي عقد، ذلك أن قبول البنك لمبالغ يعلم أنها مسروقة، يجعله مسؤولا مسؤولية تقصيرية أمام مالكها، لأن ذلك يجعله مرتكبا لجريمة إخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة. فإذا تمت متابعة البنك من طرف النيابة العامة في إطار الدعوى العمومية، يجوز بالمقابل لمالك الأموال المسروقة أن يلجأ إلى الدعوى المدنية التابعة ليطالب بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية.

كما تسأل المؤسسة البنكية مسؤولية تقصيرية في مواجهة الغير في الحالة التي تكون فيها الوديعة محل حجز ويقوم البنك بردها إلى المودع، حيث يتحمل مسؤولية ذلك في مواجهة الدائن الحاجز، طالما أن أمر الحجز يمنع البنك من رد الوديعة للعميل، ويلزمه بالحفاظ عليها إلى حين صدور أمر قضائي برفع الحجز.

هذه بعض صور المسؤولية المدنية للأبناك عن ودائعها النقدية، وإن كنا نسجل على المستوى العملي قلة القضايا المعروضة على أنظار الغرفة التجارية بالمجلس الأعلى المتعلقة بمسؤولية البنوك، حيث لم يتجاوز مجموعها إحدى عشرة قضية سنة 2001. ولعل ذلك يرجع بالضرورة إلى خصوصية المنازعات البنكية، التي يفضل الأطراف حلها بعيدا عن القضاء.



تم بحمد الله

في إنتظار مواضيع أخرى



فإن وفقنا فلنا إن شاء الله أجران :أجر الاجتهاد وأجر الصواب . وإن أخطأنا ، فحسبنا أجر الاجتهاد وشرف المحاولة .