الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن حق الجار على جاره حق عظيم حث عليه الإسلام، وأوصى به كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما كتاب الله فيقول ربنا تعالى: وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ {النساء:36}
وأما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره.
وفي مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه، أو قال لجاره ما يحب لنفسه. وفي مسلم وابن ماجه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.
وما يفعله جارك من الاستهزاء بك ذنب يستوجب التوبة إلى الله سبحانه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنّ {الحجرات: من الآية11} وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
ولكن مع تضييع جارك لحقك عليه، فإنه لا ينبغي لك أن تفعل كفعله، ولا أن ترد سيئته بمثلها، بل ينبغي أن تعفو وتصفح وترد السيئة بالحسنة، مراغمة للشيطان وإغاظة له، وقهرا للنفس الأمارة بالسوء، واستجابة لأمر ربك القائل في محكم التنزيل: وَلَا تَستوِي الحَسَنَةُ ولا السيِئة ادفَع بِالتِي هِي أَحْسَنُ فإِذا الذِي بَينَكَ وَبَيْنَهُ عداوة كَأنه ولي حميم. {فصلت:34}
ويجوز لك أن تهجره ثلاثا، ولا يجوز لك الهجران فوق ذلك، ففي سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني. فيجوز لك أن تترك رد السلام عليه ثلاثة أيام، أما بعد ذلك فترك رد السلام إثم ومعصية، لأن رد السلام فرض.
قال النووي رحمه الله في المجموع: وأما جواب السلام فهو فرض بالإجماع، فإن كان السلام على واحد، فالجواب فرض عين في حقه، وإن كان على جميع فهو فرض كفاية، فإذا أجاب واحد منهم أجزأ عنهم، وسقط الحرج عن جميعهم، وإن أجابوا كلهم كانوا كلهم مؤدين للفرض، سواء ردوا معاً أو متعاقبين، فلو لم يجبه أحد منهم أثموا كلهم، ولو رد غير الذين سلم عليهم لم يسقط الفرض والحرج عن الباقين.
ونؤكد في الأخير أن ما نوصيك به هو العفو والصفح ابتغاء رضوان الله، ولا مانع أن تعاتب جارك على ما حدث منه عتابا لطيفا وتذكره بحق الجار على جاره، إن رأيت في العتاب مصلحة، وإلا فالزم العفو يرفعك الله.