عن قـصـة سـحـر النبي ( 2 )
رَبِّنا اغْفِرْ لِنا وَ لِوَالِدَيَّنا رَبِّنا و ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِا ِصَغِارَا
اللهمَّ ارْزُقْنِا الْفِرْدَوْسَ الأعلى من الجنة
مِنْ غَيْرِ عِتَابٍ و لا حِسَابٍ و لا عَذَابْ ( قصة سحر النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم و معناها )
الجزء الثانى
( ردود العلماء على من أنكر هذا الحديث وهذه القصة ) اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن جبرين ص (65) .
الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يضره ذلك السحر في بدنه ،
و لا في عقله و إدراكه ، و في دينه و عبادته ، و لا في رسالته التي كلف بإبلاغها ،
و لذلك لم يستنكر أحد من الناس شيئا من سيرته ، و لا معاملته معهم في صلاته و أذكاره، و تعليمه .
فعلى هذا إنما كان أثر السحر فيما يتعلق بالجماع مع النساء ، أو بعض نسائه ،
و لهذا لم ينقله سوى عائشة ، و قد ذكرت أنه كان يخيل إليه أنه يأتي النساء و ما يأتيهن ،
و هذا القدر لا يؤثر في الرسالة ، و هو من قضاء الله و قدره ،
لحكمة أن الله قد يبتلي بعض الصالحين كالأنبياء ، فأشد الناس بلاء الأنبياء ،
ثم الأمثل فالأمثل .
( قال الــحــافــظ ابــن حــجــر- رحمه الله )
قال المازري :
أنكر المبتدعة هذا الحديث ، و زعموا أنه يحط منصب النبوة و يشكك فيها ،
قالوا : و كل ما أدَّى إلى ذلك فهو باطل ،
و زعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعه من الشرائع إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه
أنه يرى جبريل و ليس هو ثَمَّ ( هناك ) ، و أنه يوحي إليه بشيء و لم يوح إليه بشيء .
قال المازري :و هذا كله مردود ؛
لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ ، و المعجزات شاهدات بتصديقه ،
فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل ،
و أما ما يتعلق ببعض الأمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها و لا كانت الرسالة من أجلها
فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض ، فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا
ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين .
قال : و قد قال بعض الناس :
إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه و سلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته و لم يكن وطأهن ،
و هذا كثيراً ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة .
قلت – أي : ابن حجر -:
و هذا قد ورد صريحاً في رواية ابن عيينة عند البخاري ، و لفظه :
[ حتى كان يرى ( أي : يظن ) أنه يأتي النساء و لا يأتيهن ] .
و في رواية الحميدي : ( أنه يأتي أهله و لا يأتيهم ) .
قال عياض :
فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده و ظواهر جوارحه لا على تمييزه و معتقده .
و قال المهلب :
صون النبي صلى الله عليه وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده ،
ففي الصحيح أن شيطاناً أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه ،
فكذلك السحر ، ما ناله من ضرره لا يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ ،
بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام ،
أو عجز عن بعض الفعل ، أو حدوث تخيل لا يستمر ، بل يزول و يبطل الله كيد الشياطين .
انتهى .
" فتح الباري " ( 10 / 226 / 227 ) بإختصار .
( من موقع الإسلام سؤال و جواب )
( قال ابــن الــقــيــم - رحمه الله )
هديه صلى الله عليه و على آله و صحبه وسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهود به :
قد أنكر هذا طائفة من الناس ، و قالوا : لا يجوز هذا عليه ، و ظنُّوه نقصاً و عيباً ،
و ليس الأمر كما زعموا ، بل هو من جنس ما كان يعتريه من الأسقام و الأوجاع ،
و هو مرض من الأمراض ، و إصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما .
و قد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :
( سُحِر رسول الله حتى إن كان ليخيَّل إليه أنه يأتي نساءه و لم يأتهن ،
و ذلك أشد ما يكون من السحر ) .
قال القاضي عياض : و السحر مرض من الأمراض ، و عارض من العلل ،
يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا يُنكر ، و لا يَقدح في نبوته .
و أما كونه يخيَّل إليه أنه فعل الشيء و لم يفعله :
فليس في هذا ما يُدخل عليه داخلة في شيء من صدقه ؛
لقيام الدليل و الإجماع على عصمته من هذا ،
و إنما هذا فيما يجوز أن يطرأ عليه في أمر دنياه التي لم يُبعث لسببها ، و لا فُضِّل من أجلها ،
و هو فيها عُرضة للآفات كسائر البشر ،
فغير بعيد أنه يخيَّل إليه مِن أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان .
انتهى .
" زاد المعاد " ( 4 / 124 ) .
فقد تبيَّن صحة الحديث ، و عدم تنقصه من منصب النبوة ،
و الله سبحانه وتعالى يعصم نبيَّه صلى الله عليه و سلم قبل السحر و أثناءه و بعده ،
ولا يعدو سحره عن كونه متعلقاً بظن النبي صلى الله عليه و سلم أنه يأتي أهله و هو لم يفعل ،
و هو في أمرٍ دنيوي بحت ، و لا علاقة لسحره بتبليغ الرسالة البتة ،
و فيما سبق من كلام أهل العلم كفاية ،
و من أراد الاستزادة فليرجع إلى " فتح الباري " و " زاد المعاد " .
و الله سبحانه و تعالى أعلى و أعلم
و نسأل الله لنا و لكم التوفيق و شاكرين لكم حُسْن متابعتكم
و إلى اللقاء في الحديث القادم و أنتم بكل الخير و العافية
" إن شـاء الله "