]جواب ( اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء )
الشرك الأكبر: أن يجعل الإنسان لله نداً; إما فيأسمائه وصفاته، فيسميه
بأسماء الله ويصفه بصفاته، قال الله تعالى: **ولله الأسماء الحسنى
فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزونما كانوا يعملون}،
ومن الإلحاد في أسمائه تسمية غيره باسمه المختص به أووصفه بصفته
كذلك.
وإما أن يجعل له نداً في العبادة بأن يضرع إلى غيره تعالىمن شمس أو
قمر أو نبي أو ملك أو ولي مثلاً بقربة من القرب صلاة أو استغاثة به في
شدة أو مكروه أو استعانة به في جلب مصلحة أو دعاء ميت أو غائب
لتفريج كربة أو تحقيقمطلوب أو نحو ذلك هو من اختصاص الله سبحانه،
فكل هذا وأمثاله عبادة لغير اللهواتخاذ لشريك مع الله، قال الله تعالى
: **قل إنما أنا بشر مثلكميوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو
لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشركبعبادة ربه أحداً
، وأمثالها من آيات توحيد العبادة كثير.
وإما أنيجعل لله نداً في التشريع، بأن يتخذ مشرعاً له سوى الله أو شريكاً
لله في التشريعيرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم; عبادةً
وتقرباً وقضاءً وفصلاً فيالخصومات، أو يستحله وإن لم يره ديناً، وفي
هذا يقول تعالى في اليهود والنصارى
**اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم
وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون،وأمثال هذا من الآيات والأحاديث التي جاءت في الرضا بحكم سوى
حكم الله أو الإعراضعن التحاكم إلى حكم الله والعدول عنه إلى التحاكم
إلى قوانين وضعية، أو عاداتقبلية، أو نحو ذلك، فهذه الأنواع الثلاثة هي
الشرك الأكبر الذي يرتد به فاعله أومعتقده عن ملة الإسلام، فلا يُصلى
عليه إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولايورث عنه ماله، بل
يكون لبيت مال المسلمين، ولا تؤكل ذبيحته ويحكم بوجوب قتلهويتولى
ذلك ولي أمر المسلمين إلا أنه يستتاب قبل قتله، فإن تاب قبلت توبته ولم
يقتلوعومل معاملة المسلمين.
أما الشرك الأصغر: فكل ما نهى عنه الشرع مما هوذريعة إلى الشرك
الأكبر ووسيلة للوقوع فيه وجاء في النصوص تسميته شركاً، كالحلف
بغير الله، فإنه مظنة للانحدار إلى الشرك الأكبر; ولهذا نهى عنه النبي
صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاً فليحلف بالله
أو ليصمت
بل سماه: مشركاً، روى ابن عمر رضي الله عنهما،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بغير الله فقد أشرك
رواه أحمد والترمذي والحاكم بإسناد جيد)، لأن الحلف بغير الله فيه غلو
في تعظيم غير الله، وقد ينتهي ذلك التعظيم بمنحلف بغير الله إلى الشرك
الأكبر.
ومن أمثلة الشرك الأصغر أيضاً: ما يجري على ألسنة كثير من المسلمين
من قولهم: "ما شاء الله وشئت"، لولا الله وأنت، ونحو ذلك،وقد نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشد من قاله إلى أن يقول: "ما
شاء الله وحده" أو "ما شاء الله ثم شئت" سداً لذريعة الشرك الأكبر من
اعتقاد شريك لله فيإرادة حدوث الكونيات ووقوعها، وفي معنى ذلك
قولهم: "توكلت على الله وعليك"، وقولهم: "لولا صياح الديك أو البط
لسرق المتاع".
ومن أمثلة ذلك: الرياء اليسير فيأفعال العبادات وأقوالها، كأن يطيل في
الصلاة أحياناً ليراه الناس، أو يرفع صوته بالقراءة أو الذكر أحياناً
ليسمعه الناس فيحمدوه، روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن محمود
بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء
" أما إذا كان لايأتي بأصل العبادة إلا رياء ولولا ذلك ما صلى ولا صام
ولا ذكر الله ولا قرأ القرآن فهو مشرك شركاً أكبر، وهو من المنافقين
الذين قال الله فيهم:
**إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا
كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولاإلى هؤلاء
الآية، إلى أن قال: **إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد
لهم نصيراً * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله
فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراًعظيماً
، وصدق فيهم قوله تعالى في الحديث القدسي
"أناأغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري
تركته وشركه" (رواه مسلم في صحيحه).
والشرك الأصغر لا يُخرج من ارتكس فيه من ملة الإسلام، ولكنه أكبر
الكبائر بعد الشرك الأكبر; ولذا قال عبد الله بن مسعود:
"لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً"،
وعلى هذا فمن أحكامهأن يعامل معاملة المسلمين فيرثه أهله، ويرثهم
حسب ما ورد بيانه في الشرع، ويصلي عليه إذا مات ويدفن في مقابر
المسلمين وتؤكل ذبيحته إلى أمثال ذلك من أحكام الإسلام، ولا يخلد في
النار إن أدخلها كسائر مرتكبي الكبائر عند أهل السنة والجماعة، خلافاً
للخوارج والمعتزلة.