التربية
عن طريق السلوك
العملي_12
محمد بن سالم بن علي
جابر
إن أساليب التربية وطُرُقِهَا التي
رَبَّى الإسلامُ والسنة النبوية بها
المسلمين –
التربية بالعمل، ويتجلَّى ذلك بصورة
رائعة في فرائض الإسلام، وما تبعثه في المرء
من قوة
الإرادة،
وتزكية النفس، والحرص على النظام
والتوازن، وما تشيعه بين الناس من مساواة
وتكامل
وتضامن،
وما تعكسه على المجتمع من تَمَاسُك
وتكافُل، وعلى البيئة من جمالٍ وبهاء
وصفاء.
فالصلاة رياضة
جسمية،
يُشْتَرَطُ فيها النظافة، التي تتحقق
بالطهارة من
الحَدَث الأكبر والأصغر،
وطهارة الثياب والمكان؛ وبهذا يحافظ
المُصَلِّي على نظافته الشخصية،
وعلى نظافة وجمال المكان الذي هو فيه،
والبيئة التي تضمه،
وهذه هي (التَّربية
الصِّحيَّة)، ثم إنه يتابع الحركات؛
قياماً، وركوعاً، وجلوساً، وسجوداً، فتلك
(تربية
جِسمِيَّةٌ
وبدنيةٌ)،
ثم إنه يقرأ القرآن الكريم؛
فَيَتَدَبَّره، ويَتَفَكَّر فيه، وتلك (تربية
عقلية وفكرية)،
ثم إنه يُسَبِّح الله - تعالى - ويمجده
وينزهه، ويتوجه إليه وحده بالعبادة،
وتلك (تربية
إيمانية وعقائدية)،
ثم إنه يدعو الله تعالى، وتطيب نفسه
بالتوسل والتضرع إليه، وتلك (تربية
روحية)
والزكاة عبادة مالية يفرضها الله - تعالى
- على الأغنياء من المسلمين؛ فَيُطَهِّر
بذلك
نفوسَهُم من الشُحِّ والبُخْلِ،
ويُنَقِّي طباعهم من الأَثَرة، ويغرس في
أخلاقهم الجود والإيثار والمواساة.
وهذه
الزكاة التي تؤخذ من الأغنياء تُصْرَف إلى
فقراءِ
المسلمين ومساكينهم؛
فتُزيل ما في نفوسهم من حقد أو حسد
للأغنياء، فتطيب بذلك نفُوسُهُم، وتَصْفُو
طَبَائِعُهُم،
وتَتَرَقَّى أخلاقُهُم، ويشيع التآلف
والتحابُّ بين المسلمين، أغنيائِهم
وفقرائِهم، في
مجتمعٍ
متكافلٍ متوازنٍ، لا تتكدس فيه الثروات
في أيدي البعض، ويبقى البعض فقيراً
مُعْدَماً؛
وهو ما عبر عنه الحق - سبحانه -
بقوله: {كَيْ
لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ
مِنْكُمْ} [الحشر:7].
وفي الصيام تربية لإرادة
الفرد، وهو منهج فذّ في الإسلام في تربية
الإرادة؛
حيث يدربها في ظلال الحظر، تدريباً
ربانيّاً على أن تفعل أو لا تفعل، فتتحمَّلُ
المَشَاقَّ،
راضيةً مرضيةً، مراقِبةً لربها، مأمورةً
بأوامِرِهِ، بلا سلطان لأي إنسان.
وهذه سِمَةٌ لا توجد في أية مِلَّةٍ، ولا
في أية نِحْلةٍ.
فليس
هناك رقيبٌ أو رئيسُ عَمَلٍ يمسك سَوطاً
يُلْهِبُ به
ظهر الإنسان ليعمل،
إنما هناك الرقيب الأعلى؛ الذي يعلم ما
يَلِجُ في الأرض وما يخرج منها،
وما ينزل من السماء وما يعرج
فيها.
فالأثر
التربوي للصيام يتلخص في تربية الروح وتربية
الخُلُق، حيث يتعودُ الإنسان
ضبطَ نفسه ومجاهدة شهواته؛ وبذلك
تتقوى
الإرادة فيه، وهي (تربية
اجتماعية)؛
إذ يجعل الفردَ يفكر في حاجة الفقير
والمحتاج، وفيه شعور بالمساواة والإخاء،
وفيه
(تربية جسدية)؛
إذ يروض الجسم، ويقويه، ويجعله قادراً
على تَحَمُّلِ المَشَاقِّ، فضلاً عن الجوع
والعطش.
ثم
يأتي الحج ليكمل تلك المنظومة التربويَّة
الإسلامية
بطريق العمل،
وبالرغم من أنه مفروض مرة واحدة في
العمر؛ فإن أثره في النفوس والأرواح يدوم
طويلاً؛
ولذلك قلما تجد امرأً أدى فريضة
الحج،
إلا وتراوده نفسه بمعاودة أدائه مرات ومرات،
بل إنَّ شَغَفَ من أدى تلك الفريضة
بإعادتها وتكرارها مرات أخرى أشدُّ - في
كثير من
الأحيان –
من شغف من لم يتيسر له
أداؤها.
فالحاجُّ يترك مالَهُ
وأهلَهُ ووطنَهُ في أيام الحج، التي
يتجَرَّد فيها
من كل مُغْرِيات الدنيا،
ويُقبِلُ بروحه وقلبه على خالقه سبحانه،
فيشعر بالحياة الطيبة في كَنَفِ الله تعالى؛
فتتهذب مشاعره، ويترقى وجدانه، فما
أعظمَها من تربية وجدانية
ورُوحية!
ثم إنه يتجرد من ملابسه وجاهه
وسلطانه؛ ليقف جنباً إلى جنب بملابس الإحرام
إلى
جوار غيره من المسلمين؛
فيزداد الاتحاد بينهم، ويشعر الجميع بأن
الذي يربط بينهم جميعاً هو رباط الإيمان
بالله
تعالى،
وحبله المتين الذي من تمسك به نجا،
ومن تركه ضلَّ وغوى؛
قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا
وَاذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ
بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ
بِنِعْمَتِهِ
إِخْوَاناً} [آل عمران:103].
يتبع