،
وهو أكبـر أبنائها ، كان عاقلاً حليماً محباً للخير وكان أشبه أهل النبي
بجده النبي -صلى الله عليه وسلم-
كرم النسب
قال معاوية وعنده عمرو بن العاص وجماعة من
الأشراف من أكرم الناس أباً وأماً وجدّاً وجدّة وخالاً وخالةً وعمّاً
وعمّةً )
فقام
النعمان بن عجلان الزُّرَقيّ فأخذ بيد الحسن فقال هذا ! أبوه عليّ ، وأمّه
فاطمة ، وجدّه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وجدته خديجة ، وعمّه جعفر ،
وعمّته أم هانىء بنت أبي طالب ، وخاله القاسم ، وخالته زينب ) فقال عمرو
بن العاص أحبُّ بني هاشم دعاك إلى ما عملت ؟) قال ابن العجلان يا بن
العاص أمَا علمتَ أنه من التمس رضا مخلوق بسخط الخالق حرمه الله أمنيّته ،
وختم له بالشقاء في آخر عمره ، بنو هاشم أنضر قريش عوداً وأقعدها سَلَفاً ،
وأفضل أحلاماً )
حب الرسول
له
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- والحسن على عاتقه اللهـم إني
أحـبُّ حسنـاً فأحبَّـه ، وأحِـبَّ مَـنْ يُحبُّـه )وكان الرسول -صلى الله
عليه وسلم- يصلي ، فإذا سجد وثب الحسنُ على
ظهره وعلى عنقه ، فيرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
رفعاً رفيقاً لئلا يصرع ،
قالوا يا رسول الله ، رأيناك صنعت بالحسن شيئاً ما رأيناك صنعته بأحد
)قال إنه ريحانتي من الدنيا ، وإن ابني هذا سيّد ، وعسى الله أن يصلح
به بين فئتيـن عظيمتيـن )
الهيبة
والسؤدد
كان الحسن -رضي الله عنه- أشبه أهل النبي بالنبي -صلى الله
عليه وسلم-
، فقد صلّى أبو بكر الصديق صلاة العصر ثم خرج يمشي ومعه
عليّ بن أبي طالب ، فرأى الحسن يلعبُ مع الصبيان ، فحمله على عاتقه و قال
بأبي شبيه بالنبيّ ، ليس شبيهاً بعليّ )وعلي يضحك
كما
قالت زينب بنت أبي رافع : رأيت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أتت بابنيها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شكواه
الذي توفي فيه فقالت يا رسول الله ! هذان ابناك فورّثْهُما )فقال أما حسنٌ فإن له
هيبتي وسؤددي ، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي )
أزواجه
كان الحسن -رضي الله عنه- قد أحصن بسبعين امرأة ، وكان الحسن قلّما تفارقه أربع حرائر ، فكان صاحب
ضرائر ، فكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري وعنده
امرأة من بني أسد من آل جهم ، فطلقهما ، وبعث إلى كلِّ واحدة منهما بعشرة آلاف وزقاقٍ من
عسل متعة ،وقال لرسوله يسار بن أبي سعيد بن يسار وهو مولاه
احفظ ما تقولان لك )فقالت الفزارية بارك الله فيه وجزاه خيراً
)وقالت الأسدية متاع قليل من حبيب مفارقٍ )فرجع فأخبره ، فراجع
الأسدية وترك الفزارية
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال : قال
عليُّ يا أهل الكوفة ، لا تزوّجوا الحسن بن عليّ ، فإنه مطلاق ) فقال رجل من همدان والله لنزوِّجَنَّهُ ، فما
رضي أمسك ، وما كره طلّق
فضله
قال
معاوية لرجل من أهل المدينة أخبرني عن الحسن بن علي )قال يا أمير المؤمنين ،
إذا صلى الغداة جلس في مصلاّه حتى تطلع الشمس ، ثم يساند ظهره ، فلا يبقى
في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل له شرف إلاّ أتاه ، فيتحدثون
حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين ،
ثم ينهض فيأتي أمهات
المؤمنين فيُسلّم عليهن ، فربما أتحفنه ، ثم ينصرف إلى منزله ، ثم يروح
فيصنع مثل ذلك فقال ما نحن معه في شيء
كان الحسن -رضي الله عنه- ماراً في بعض حيطان المدينة
، فرأى أسود بيده رغيف ، يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة ، إلى أن شاطره الرغيف
، فقال له الحسـن ما حَمَلك على أن شاطرتـه ؟
فلم يعاينه فيه بشـيء )قال استحت عيناي من عينيه أن أعاينـه )أي استحياءً من الحسـن ، فقال له غلام من أنت
؟)قال غلام أبان بن عثمان )فقال والحائط ؟)أي البستان فقال لأبان بن عثمان )فقال له الحسن
أقسمتُ عليك لا برحتَ حتى أعود إليك )فمرّ فاشترى الغلام والحائط ، وجاء الى الغلام
فقال يا غلام ! قد اشتريتك ؟) فقام قائماً فقال السمع والطاعة لله ولرسوله
ولك يا مولاي )قال وقد اشتريت الحائط ، وأنت حرٌ لوجه الله ،
والحائط هبة مني إليك )فقال الغلام يا مولاي قد وهبت الحائط للذي
وهبتني له )
حكمته
قيل للحسن بن
علي إن أبا ذرّ يقول : الفقرُ أحبُّ إلي من الغنى ، والسقم أحبُّ إليّ
من الصحة ) فقال رحِمَ الله أبا ذر ، أما أنا فأقول من اتكل على
حسن اختيار الله له لم يتمنّ أنه في غير الحالة التي اختار الله تعالى له ،
وهذا حدُّ الوقوف على الرضا بما تصرّف به القضاء )
قال معاوية
للحسن بن عليّ ما المروءة يا أبا محمد ؟)قال فقه الرجل في دينه ،
وإصلاح معيشته ، وحُسْنُ مخالَقَتِهِ )
دعا الحسنُ بن عليّ بنيه
وبني أخيه فقال يا بنيّ وبني أخي ، إنكم صغارُ قومٍ يوشك أن تكونوا
كبارَ آخرين ، فتعلّموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه ،
فليكتبهُ وليضعه في بيته )
عام الجماعة
بايع أهل
العراق الحسن -رضي الله عنه- بالخلافة بعد مقتل أبيه سنة ( 40هـ ) وأشاروا عليه بالمسير الى الشام لمحاربة معاوية
بن أبي سفيان ، فزحف بمن معه
، وتقارب الجيشان في موضع يقال له ( مسكن ) بناحية
الأنبار ، ولم يستشعر الحسن الثقة بمن معه ، وهاله أن يقْتتل المسلمون وتسيل دماؤهم ، فكتب
إلى معاوية يشترط شروطاً للصلح ، ورضي معاوية فخلع الحسن نفسه من الخلافة وسلم الأمر لمعاوية
في بيت المقدس سنة ( 41هـ ) وسمي هذا العام ( عام الجماعة ) لاجتماع كلمة
المسلمين فيه ، وانصرف الحسن -رضي الله عنه- الى المدينة حيث أقام
الحسن ومعاوية
قال معاوية يوماً في مجلسه إذا لم
يكن الهاشمـيُّ سخيّاً لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن الزبيـري شجاعاً لم يشبه
حسبه ، وإذا لم يكن المخزومـي تائهاً لم يشبه حسبه ، وإذا لم يكن الأمـوي
حليماً لم يشبه حسبه )فبلغ ذلك الحسن بن علي فقال والله ما أراد الحق
، ولكنّه أراد أن يُغري بني هاشـم بالسخاء فيفنوا أموالهم ويحتاجون إليه ،
ويُغري آل الزبيـر بالشجاعة فيفنوا بالقتل ، ويُغري بني مخـزوم بالتيه
فيبغضهم الناس ، ويُغري بني أميـة بالحلم فيحبّهم الناس !!)
مرضه
قال عبد الله بن الحسين : إن الحسن كان سُقِيَ ،
ثم أفلتَ ، ثم سُقِيَ فأفلتَ ، ثم كانت الآخرة توفي فيها ، فلمّا حضرته
الوفاة ، قال الطبيب وهو يختلف إليه هذا رجلٌ قد قطع السُّمُّ أمعاءه
)فقال الحسين يا أبا محمد خبّرني من سقاك ؟)قال ولِمَ يا أخي ؟
)قال اقتله ، والله قبل أن أدفنـك ، أولا أقدرُ عليه ؟ أو يكون
بأرضٍ أتكلّف الشخـوص إليه ؟)فقـال يا أخـي ، إنما هذه الدنيا ليالٍ
فانية ، دَعْهُ حتى ألتقـي أنا وهو عنـد الله )فأبى أن يُسمّيَهُ ، قال
فقد سمعتُ بعضَ من يقول : كان معاوية قد تلطّف لبعض خدمه أن يسقيَهُ
سُمّاً )
بكاؤه
لمّا أن
حَضَرَ الحسن بن علي الموتُ بكى بكاءً شديداً فقال له الحسين ما
يبكيك يا أخي ؟ وإنّما تَقْدُمُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى عليّ وفاطمة وخديجة ،
وهم وُلِدوك ، وقد أجرى الله لك على لسان النبي -صلى الله عليه سلم-
أنك سيّدُ شباب أهل الجنة ) وقاسمت الله مالَكَ ثلاث
مرات ، ومشيتَ الى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرّةً حاجّاً) وإنما أراد أن يُطيّب نفسه
، فوالله ما زاده إلا بكاءً وانتحاباً ،وقال يا أخي إني أقدِمُ
على أمرٍ عظيم مهول ، لم أقدم على مثله قط )
وفاته
توفي الحسن -رضي الله عنه- في سنة ( 50هـ ) ،وقد دُفِنَ في البقيع ،
وبكاه الناس سبعة أيام : نساءً وصبياناً ورجالاً رضي الله عنه وأرضاهوقد
وقف على قبره أخوه محمد بن عليّ وقال
يرحمك الله أبا محمد ، فإن عزّت حياتك لقد هَدَتْ
وفاتك ، ولنعم
الروحُ روحٌ تضمنه بدنك ،ولنعم
البدن بدن تضمنه كفنك
وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى ، وحليف أهل التقى ،وخامس
أصحاب الكساء ، غذتك أكف الحق وربيت
في حجر الإسلام ورضعت ثدي الإيمان ،وطبت
حيّاً وميتاً ،وإن
كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك فلا نشك في الخيرة لك
رحمك الله )