الأحق بالحضانة بعد موت الأب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته
شيخنا
الفاضل
هناك سيدة
فاضلة جداً أعرفها معرفة شخصية وهي منتقبة نحسبها على خير ولا نزكيها على
الله
المهم أن هذه السيدة قد
طلقها زوجها منذ أمد بعيد جداً ولكنها ربت أولادها على بر أبوهم بل هي ربت أولاده
من زوجات أخريات
لأنه كان يتزوج كثيرا
ويطلق ايضا كثيرا غفر الله له .
وقبل وفاته بأيام اتصل
بأولاده منها وطلب أن يرى هذه الأخت حتى يوصيها على أصغر بناته
فأمهم تركت البيت وهجرتهم
وتركتهم عندما مرض الأب
وذهبت
الأخت وأولادها وجدوه في حالة متأخرة جداً كذلك البنات وأعمارهم 7 سنوات وعشر
سنوات
وعندما ادخلوه المستشفى
وهو في مرض الموت ظل يوصيها و يترجاها أن تربي بناته وتحسن إليهم كما احسنت
للجميع
وفعلا توفي الأب والتزمت
الأخت بالوصية
أخذتهم وأعادت قيدهم في
المدارس والبستهم ملابس نظيفة مع أنها تعيش على الكفاف
وعالجتهم لانهم كانوا في
صحة متأخرة والان يقولون لها يا أمي وتعلقوا بها لأنهم وجدوا عندها حنان الأم التي
هجرتهم
والحقتهم في حلقات حفظ
قرآن وترعاهم كانهن بناتها فهي طيبة جداً جداً
وبعد سنة وزيادة ظهرت
أمهم التي تركتهم بدون أي وجه حق يواجهون الموت وأبوهم يحتضر
وقد تزوجت من آخر ويبدو
والله أعلم أنه ليس بصاحب أخلاق حسنة وتطالب بأخذ البنات
فهل لها حق
فيهن؟
و زوجة ابيهم معها
أولادها أخوة البنات أشقاء وهم شباب هل لهم حق ضم اخواتهم البنات الايتام
هؤلاء؟
أم الأم احق بالرغم من كل
ماكان منها وبالرغم من وجودها مع زوج قد يسيء للبنات؟
وهل لو اعطتهم للأم تكون
فرطت في وصية الأب؟؟
أرجو من فضيلتك افتاء
الأخت في أمرها.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة
الله وبركاته.
الحمد لله. بداية تشكر
الأخت الفاضلة على إحسانها وفعلها المعروف ورعايتها لأبناء طليقها مع صعوبة ظروفها
ويرجى لها ثواب عظيم ودخولها في نصوص كفالة الأيتام والسعي عليهم وهذا الخلق يدل
على سلامة قلبها وإيثارها وتجردها من حظوظ النفس ونظرها إلى نعيم الاخرة بقلب
مستيقن. وقد قل هذا الإحسان في زمن غلبة التشاح والتخاصم وحب الانتقام من الغير حال
الطلاق.
أما حضانة الأطفال فهي
حق مشترك بين الزوجين حال استقرار الزواج واستمراره. فإن طلق الأب أو توفاه المولى
انتقلت الحضانة إلى الأم بإتفاق أهل العلم لما روى أحمد عن عبد الله
بن عمرو أن امرأة قالت : (يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني
له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني فقال لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنت أحق به ما لم تنكحي). فلا يتقدم أحد على
الأم في هذا الحق مهما كان ولو كان وصيا من قبل الأب قبل موته لأنه لا يملك هذا
الحق بعد موته لانتقاله للأم.
لكن يشترط في ثبوت حق
الحضانة للأم شروط:
الأول: أن تكون
أهلا لذلك بحيث تكون صالحة في عقلها ودينها وخلقها. فإن خلت من الصلاح منعها
القاضي.
الثاني: أن تكون
مستقرة في بلد وبيت صالح. فإن كانت غير مستقرة لكثرة سفرها أو إقامتها في بلد غير
آمن أو بيئة فساد منعت من الحضانة.
الثالث: أن لا تكون
متزوجة فإن تزوجت سقطت حضانتها بالإجماع. قال ابن قدامة: (الأم
إذا تزوجت سقطت حضانتها ، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل
العلم).
وإذا سقطت حضانتها
انتقلت حينئذ إلى قرابة الأم من النساء الأقرب فالأقرب بإتفاق أهل المذاهب الأربعة
ولكنهم اختلفوا في تفصيل هذا القول في ترتيب الولاية في الحضانة كما هو مبسوط في
كتب الفقهاء وهو مبني على الاجتهاد ليس فيه دليل صريح أو مأخذ دقيق يرجح قول بعضهم
على بعض فيرجع في التقديم إلى نظر القاضي ومراعاته للأصلح. ثم يقدم قرابة الأب من
النساء الأقرب فالأقرب. فإن عدم الأبناء قرابة الأم والأب من النساء أو لم يكن فيهم
أهلا لذلك أو امتنعوا عنها انتقلت الحضانة إلى قرابة الأب من الذكور من العصبة الجد
ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم وهكذا يكون ترتيب الولاية كترتيبهم في
الميراث.
فعلى هذا الأم هنا لا
تستحق حضانة الأولاد بوجه من الوجوه لأنها تزوجت بأجنبي عنهم. فيكون الأحق بالحضانة
قرابتها من النساء أمها فجدتها فخالتها وهكذا. فإن لم يوجد صالحا منهن لحضانة
الأولاد كان إخوة البنات هم الأحق بحضانتهن لا سيما إن كانوا صالحين مأمونين على
دينهم. فالذي أوصي به في هذه الحالة أن يمسك الأخوة أخواتهم ويقومون برعايتهن على
أكمل وجه وأحسن حال ولا يسلموهن للأم المفرطة حتى يوجد امرأة موثوق بها صالحة
للحضانة من قرابة الأم فيدفعوهن لها والغالب انعدام ذلك مع انتشار الفقر وقلة
الديانة والاحتساب.
والمرجع حال الخصومة
بينهم إلى القضاء الشرعي فيعمل بحكم القاضي وليس على الأخت المبترعة برعاية البنات
إثم ولا حرج إذا انتقل البنات عنها بمقتضى الشرع لأنها محسنة ولم يظهر منها تعد أو
تفريط.
والله أعلم وصلى الله
على محمد وآله وصحبه وسلم.