حقوق الأبناء على
الآباء
مرحلة ما بعد البلوغ إلى تمام
الرشد
أ.د. صلاح الدين
سلطان
1- ليكن عنوان هذه المرحلة: المصاحبة والنصيحة والتناصح
والتصحيح وإلا كان البديل المشاحنة والفضيحة والتجريح. وهذا يحتاج إلى الاستيعاب
والثقة وتوظيف الطاقات، وتحمل مسؤولية بناء نفسه، وإصلاح مجتمعه، وترك الحدة والشدة
والقسوة والغلظة والتفلت والالتواء.
2- من الضروري غض الطرف عن بعض الصغائر (مع كثرتها)
والتركيز على علاج الكبائر، توفيرا لجهد تعالج فيه الكبائر لخطورتها، وإلا كان
التدقيق على الصغائر تفويتا لفرصة علاج الكبائر.
3- الأب والأم الناجحان تربويا يعلمان أولادهما في هذه
المرحلة معايير الاختيار للأصدقاء والكتب والتخصصات والأزواج، ويتركون لهم الاختيار
وفق هذه المعايير. فلا يدفع أبٌ أو أمٌ أولادهم إلى تخصص معين أو مدرسة أو
جامعة أو زوج أو زوجة بل يجب أن يكون ذلك اختيارا كاملا من الأبناء
مع التشاور مع الآباء يعبر عن رشد في الاختيار والأداء، وتحمل آثار هذا
الاختيار.
4- لا يستغني أبٌ أو أمٌ راشدان عن دراسة التغيرات الهائلة
نفسيا وجسديا والضغوط الاجتماعية من الإعلام والأصدقاء والمجتمع والسياسة، مما
يحتاج إلى معالجات جديدة ليست كلها من الموروث عن الآباء والأجداد وإنما من المناسب
للواقع والتحديات.
5- ربط التصرفات بالحلال والحرام التي ترضي أو تغضب الرحمن،
وليس فقط بمفهوم «العيب» الذي يغضب الناس.
6- في مرحلة ما بعد البلوغ أفضل مدخل لتثقيف أولادنا جنسيا،
بدراسة التطورات النفسية والجسمية والجنسية والعواطف القلبية هو الفقه الإسلامي
المتعلق بالطهارة والغسل والتزام الواجبات الأصلية مثل: الصلاة والصيام والزكاة
والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن الخطورة ترك الأولاد بدون هذه الثقافة
الشفافة، فيملئون الفراغ من مستنقعات قذرة تفرض نفسها على شبابنا في بيته ومدرسته
وناديه بل الإعلانات في الشوارع.
7- هذه المرحلة تحتاج إلى
ثناء على الإنجازات مهما قلت، وتشجيع على تجاوز العقبات مهما اشتدت، وتجنب لغة
اللوم المستمر والإحباط الدائم؛ فإنهما يحطمان أكبر القدرات والملكات ويحيلوا
أولادنا إلى سلة المهملات، أو التمرد على الآباء
والأمهات.
8- يجب تجنب الإحراج أمام الأشقاء أو الأصدقاء أو الأقارب
فإن ذلك من أعنف المؤثرات السلبية على هذا السن خاصة.
9- غض الطرف مع الملاحظة: من الضروري جدا إذا اكتشف الأبوان
أو أحدهما من غير تجسس ولا تحسس أن هناك علاقة للابن/الابنة مع الجنس الآخر أو صور
غير لائقة أو خطابات غرامية أن يغضوا الطرف قليلا مع التذكير من بعيد بحب الله
ومراقبته سبحانه، وملاحظة التغيير فإن لم يكن، فحوار خاص آخر خارج البيت من أحد
الأبوين، ومهم في الحوار أن يقر بنفسه أن هذا خطأ، وأن يعطي الرؤية العملية في
كيفية تجاوز هذه السقطات، أو إظهار الاستعداد الكامل لمساعدته/لمساعدتها لتجاوز هذه
الأزمة.
10- يجب أن يكون هناك دائما ربط الطلبات بتحقيق الإنجازات،
فإذا طلب رخصة قيادة أو سيارة أو رحلة خارج البلد أو....، فيجب أن يربط ذلك
بإنجازات محددة يتفق عليها في مجلس الأسرة دون فرضها من الأبوين، ومنها حفظ أجزاء
من القرآن، وإتمام دورة التجويد، أو التفوق العلمي، أو قراءات، أو تحقيق مستويات
رياضية متميزة، أو إصلاح الفجوة بينه وبين إخوانه وأصدقائه وأقاربه، أو المشاركة
الفعالة في خدمة المجتمع.
11- تعويد الأبناء على العطاء الإيجابي وليس الاستهلاك
السلبي، والمشاركة في الأعمال التطوعية، ومساعدة الأيتام والفقراء والمساكين،
وعيادة المرضى وزيارة كبار السن والزمنى، وشهود الجنائز وحضور الأفراح، مع الحضور
المؤثر وليس المشارك فقط.
12- يلزم لهذه المرحلة زيادة التشاور مع الأولاد وإبداء
الرأي، وقيادة الأسرة في رحلة أو في نزهة، وأن يتولى كل واحد منهم مصروف البيت
شهرا، وأن يكون له حساب بنكي خاص، ولامانع إذا توطدت الثقة أن يكون له حق التوقيع
على حساب الأبوين، أو أن يفتح رقم حساب مشترك فيه مبلغ ما يحق لكل أفراد الأسرة
المشاركة فيه أو السحب المشترك على بطاقة ائتمان واحدة لتأكيد الثقة في الأبناء،
وتدريبهم على الاعتدال وترك التقتير أو التبذير.
13- يجب إعادة التأكيد المستمر والتذكير الدائم بأولويات
الأسرة في تحقيق أرقى علاقة مع الله، وأفضل خلق مع الناس، والتفوق العلمي، بشرط أن
يكون الأبوان نموذجين في هذه الجوانب، بأن يكونا مشاركين في الأنشطة الإسلامية
والأعمال المسجدية، والفاعلات السياسية، وتتسم علائقهم بالأسرة والمجتمع بالاستقرار
والحب والعطاء، وأن يسجلا في دورات ودراسات جديدة؛ فيشعر الأولاد أن توجيههما يصدر
عن طيب الفعال وليس فقط حسن المقال.
14- استحداث مشاريع أسرية حسب طاقة الأسرة ومنها: حفظ
القرآن الكريم، وحفظ حديث من كل باب من رياض الصالحين، ودراسة السيرة النبوية،
وتاريخ الخلافة والحضارة الإسلامية، أو مشاريع مساعدة عدد من الأيتام، أو مشروع
الصلاة في مائة مسجد في البلد لتكون سفن النجاة وتشهد لنا يوم القيامة، أو مشروع
إفطار الصائمين ومائدة الرحمن، أو مشروع حقيبة رمضان، أو مشروع زيارة من المرضى في
المستشفيات، أو مشروع زيارات للأساتذة والعلماء، أو مشروع نشر الابتسامة والأمل بين
الناس، أو مشروع إماطة الأذى عن الطريق وتنظيف المدينة، أو مشروع مكافحة المخدرات،
أو كفالة طلاب العلم النابغين وليس المتبلِّدين. فهذه المشاريع تملؤ وقت الأسرة
لفعل الخير ونفع الغير، أورد السيوطي في جامعه أن النَّبِيُّ
ﷺ قال: « صَدَقَةُ السر تُطْفِىءُ غَضَبَ اللَّهِ،
وَصَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ
فِي الْعُمُرِ » ، وهي الطريق لصلاح الدنيا ونور الآخرة، لقوله تعالى"
َافْعَلُوا
الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [الحج: 77