محاسبة النفس
قال عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، للناس يومًا ناصحًا ومرشدًا:
«حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا،
فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا، أن تحاسبوا أنفسكم وترنوا
للعرض الأكبر».
وكتب إلى بعض عماله:
«حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب
نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد أمره إلى الرضا
والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه، عاد أمره إلى الندامة
والخسارة»..
وصدق الفاروق.
فلننظر ماذا ادّخرنا لأنفسنا من الأعمال الصالحة ليوم العرض،
فإن محاسبة النفس هي طريق استقامتها وسعادتها، ومن
حاسب نفسه قبل أن يحاسب خفّ في القيامة حسابه، ومن
صفات العبد التقي أن يكون أشد محاسبة لنفسه من الشريك
لشريكه، كما أن محاسبة النفس تعيننا على مراقبة أنفسنا
وتجعلنا نطّلع على عيوبها، قال ابن القيم -رحمه الله- إن
محاسبة النفس نوعان: نوعٌ قبل العمل ونوعٌ بعده، فالنوع الأول
الذي هو قبل العمل، فهو أن يقف عند أول همّه وإرادته،
ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحان العمل به على تركه،
قال الحسن رحمه الله:
«رحم الله عبدًا وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخّر»،
والنوع الثاني محاسبة النفس بعد العمل
وهو ثلاثة أنواع:أحدها محاسبتها على طاعة قصّرت فيها في حق
الله تعالى، فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي، ثم يحاسب نفسه
هل قام بطاعة الله على وجه يرضي الله تعالى أم قصّر بذلك؟
الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرًا من فعله،
الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد، لِمَ فعله؟ وهل
أراد به وجه الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحًا، أو أراد به الدنيا
وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به، فحاسب نفسك:
فإن ترك محاسبة النفس والاستمرار في الحياة من دون أي
تنبيهات أو عظات أو لوم، تجعل الإنسان يسترسل، ويستسهل
الأمور ويغمض عينيه عن العواقب ويعتمد على العفو، فيهمل
محاسبة نفسه والنظر في العاقبة، وإذا فعل ذلك سهل عليه
مواقعة الذنوب وأَنِس بها، وعسر عليه تركها... إن محاسبة
النفس تدفع للمبادرة إلى الخير، وتعين على البعد عن الشر،
وتساعد على تدارك ما فات، وهي منزلة تجعل العبد يميز بين ما
له وما عليه، وتعين العبد على التوبة، ويحافظ عليها
بعد وقوعها، فذكّر نفسك وعظها وعاتبها وخوّفها، قال تعالى
{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ }
صدق الله العظيم.
ومن المهم أن نصارح أنفسنا: هل ما نقوم به هو للتقرب إلى الله
أم لمصلحة خاصة أو رضا مخلوق لا يغني عنا شيئًا من الله؟
وأن نزن كلامنا بميزان الشرع لنحذر فلتات اللسان، ولا نستعجل
في الحكم على الأشخاص والمواقف، وعلينا أن نردد دومًا
«اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه،
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه».
همس الازاهير
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا محال في القياس بديـع
لو كان حبك صادقًا لأطعتـه
إن المحب لمن يحب مطيـع
في كل يوم يبتديك بنعمــة
منه وأنت لشكر ذلك مضيع
الإمام الشافعي
أنين النفس
اعلم أن أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك، وقد خلقت أمارة
بالسوء، ميَّالة إلى الشر، وقد أمرت بتقويمها وتزكيتها وفطامها
من مواردها، وأن تقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها، فإن
أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك، وإن لزمتها
بالتوبيخ رجونا أن تصير مطمئنة، فلا تغفل من تذكيرها.
ابن قدامة