عمرو بن العاص ( محرّر مصر من الرومان ) كانوا ثلاثة في قريش, اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وإيذائهم أصحابه..
وراح الرسول يدعو عليهم, ويبتهل إلى ربه الكريم أن ينزل بهم عقابه..
وإذ هو يدعو ويدعو, تنزل الوحي على قلبه بهذه الآية الكريمة..
( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم, فإنهم ظالمون)..
وفهم الرسول من الآية أنها أمر له بالكف عن الدعاء عليهم, وترك أمرهم إلى الله وحده..
فإمّا أن يظلوا على ظلمهم, فيحلّ بهم عذابه..
أو يتوب عليهم فيتوبوا, وتدركهم رحمته..
كان عمرو بن العاص أحد هؤلاء الثلاثة..
ولقد اختار الله لهم طريق التوبة والرحمة وهداهم إلى الإسلام..
وتحول عمرو بن العاص إلى مسلم مناضل. وإلى قائد من قادة الإسلام البواسل..
وعلى الرغم من بعض مواقف عمرو التي لا نستطيع أن نقتنع بوجهة نظره فيها, فان دوره كصحابيّ جليل بذل وأعطى, ونافح وكافح, سيظل يفتح على محيّاه أعيننا وقلوبنا..
وهنا في مصر بالذات, سيظل الذين يرون الإسلام دينا قيما مجيدا..
ويرون في رسوله رحمة مهداة, ونعمة مزجاة, ورسول صدق عظيم, دعا إلى الله على بصيرة, وألهم الحياة كثيرا من رشدها وتقاها..
سيظل الذين يحملون هذا الإيمان مشحوذي الولاء للرجل الذي جعلته الأقدار سببا, وأي سبب, لإهداء الإسلام إلى مصر, وإهداء مصر إلى الإسلام.. فنعمت الهداية ونعم مهديها..
ذلكم هو: عمرو بن العاص رضي الله عنه..
ولقد تعوّد المؤرخون أن ينعتوا عمرا بفاتح مصر..
بيد أنا نرى في هذا الوصف تجوزا وتجاوزا, ولعل أحق النعوت بعمرو أن ندعوه بمحرر مصر..
فالإسلام لم يكن يفتح البلاد بالمفهوم الحديث للفتح, إنما كان يحررها من تسلط إمبراطوريتين سامتا العباد والبلاد سوء العذاب, تانك هما:
إمبراطورية الفرس.ز وإمبراطورية الروم..
ومصر بالذات, يوم أهلت عليها طلائع الإسلام كانت نهبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون جدوى..
ولما دوّت فوق مشارف بلادهم صيحات الكتائب المؤمنة أن:
" الله أكبر..
الله أكبر"..
سارعوا جميعا في زحام مجيد صوب الفجر الوافد وعانقوه, واجدين فيه خلاصهم من قيصر ومن الرومان..
فعمرو بن العاص ورجاله, لم يفتحوا مصر إذن.. إنما فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالحق مصايرها.. وتربط بالعدل مقاديرها.. وتجد نفسها وحقيقتها في ضوء كلمات الله, ومبادئ الإسلام..
ولقد كان رضي الله عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة, ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان الين يحتلون البلاد ويسرقون أرزاق أهلها..
من أجل ذلك نجده يتحدث إلى زعماء النصارى يومئذ وكبار أساقفتهم, فيقول:
"... إن الله بعث محمدا بالحق وأمره به..
وانه عليه الصلاة والسلام, قد أدّى رسالته, ومضى بعد أن تركنا على الواضحة أي الطريق الواضح المستقيم..
وكان مما أمرنا به الأعذار إلى الناس, فنحن ندعوكم إلى الإسلام..
فمن أجابنا, فهو منا, له ما لنا وعليه ما علينا..
ومن لم يجبنا إلى الإسلام, عرضنا عليه الجزية أي الضرائب وبذلنا له الحماية والمنعة..
ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا, وأوصانا بأهلها خيرا فقال:" ستفتح عليكم بعدي مصر, فاستوصوا بقبطها خيرا, فإن لهم ذمّة ورحما"..
فان أجبتمونا إلى ما ندعوكم إليه كانت لكم ذمة إلى ذمة"...
وفرغ عمرو من كلماته, فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا:
" إن الرحم التي أوصاكم بها نبيّكم, لهي قرابة بعيدة, لا يصل مثلها إلا الأنبياء"..!!
وكانت هذه بداية طيبة للتفاهم المرجو بين عمرو أقباط مصر.. وان يكن قادة الرومان قد حاولوا العمل لإحباطها..
وعمرو بن العاص لم يكن من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة بقليل..
ومن عجب أن إسلامه بدأ على يد النجاشي بالحبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرا ويحترمه بسبب تردده الكثير على الحبشة والهدايا الجزيلة التي كان يحملها للنجاشي، وفي زيارته الأخيرة لتلك البلاد جاء ذكر لرسول الذي يهتف بالتوحيد وبمكارم الأخلاق في جزيرة العرب..
وسأل عاهل الحبشة عمرا, كيف لم يؤمن به ويتبعه, وهو رسول من الله حقا..؟؟
وسأل عمرو النجاشي قائلا:
" أهو كذلك؟؟"
وأجابه النجاشي:
" نعم، فأطعني يا عمرو واتبعه, فانه والله لعلى الحق, وليظهرنّ على من خالفه"..؟!
وركب عمرو ثلج البحر من فوره, عائدا إلى بلاده، وميمّما وجهه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين..
وفي الطريق المؤدية إلى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا إلى الرسول ليبايعه على الإسلام..
ولك يكد الرسول يراهما قادمين حتى تهلل وجهه وقال لأصحابه:
" لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها"..
وتقدم خالد فبايع..
ثم تقدم عمرو فقال:
" إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي"..
فأجابه الرسول عليه السلام قائلا:
" يا عمرو..
بايع، فان الإسلام يجبّ ما كان قبله"..
وبايع عمرو ووضع دهاءه وشجاعته في خدمة الدين الجديد.
وعندما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى, كان عمرو واليا على عمان..
وفي خلافة عمر أبلى بلاءه المشهود في حروب الشام, ثم في تحرير مصر من حكم الرومان