ا
لوفاء بالوعد قيمة عليا في العلاقات الإنسانية..! تفرض طبيعة الحياة البشرية على الإنسان أن يتبادل الثقة مع الآخرين ،وإذا كان الإنسان لا يملك الثقة بهؤلاء الذين من حوله ،فانه سيكون معرضا للخطر. فعندما يخذله الأشخاص الذين يعتمد عليهم فان حياته قد تتعرض للاضطرابات،وبالتالي ستؤثر على كيانه المادي في هذه الحياة. إن الثقة المتبادلة بين الناس هي الأساس المتين الذي يمكن ان يشيـد عليها صرح العلاقات الإنسانية،وبدون هذا الأساس فان البنيان بأسره يكون معرضا للسقوط .والحقيقة ان الإخلاص هو أمر ذو قيمة عليا في حياة الناس. فالإنسان الوفي والمخلص له قيمة كبيرة،والإنسان عديم الإخلاص يعتبر عديم القيمة.والواقع ان الإنسان يجب ان يتيح الفرصة للآخرين للتعبير عن إخلاصهم،وبذلك يجعلهم يشعرون بقيمة أكثر تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين. ومن المهم ان يكون الإنسان صادقا مع الآخرين، فعندما يقطع الإنسان وعدا على نفسه،يجب ان يكون صادقا .فالأفراد الذين يوفون بوعودهم هم أهل للثقة والإعجاب. أما الأفراد الذين لا يوفون بوعودهم فانه ينظر اليهم بعين الازدراء،وسيكون من الصعب الثقة بهم. الإنسان الذي لا يفي بوعوده قد يجد نفسه واقع في الشرك، كما قد يجد علاقاته الطبيعية مع الآخرين قد انقطعت. والواقع انه لا توجد أية طريقة للعزلة عن الناس أصعب من عدم الإيفاء بالوعـد..ولهذا يجب على الإنسان ان يصر على ان الوعد متى قطع يجب أن يوفى به،حيث ان حياة الإنسان تصبح في غاية الفوضى والاضطراب إذا ما عمل ذلك الإنسان مع أفراد لا يوفون بوعودهم،وان ذلك ليس بالأمر الهين. فإن الوفاء بالوعد من الأخلاق الإسلامية الرفيعة،
والصفات المحمودة التي حثنا عليها الإسلام: الوفاء بالوعد،
يقول الله -تعالى- عن إسماعيل -عليه السلام- مادحاً إياه بصفة
الوفاء بالوعد:
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ
إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا }
سورة مريم(54).
قال مجاهد: "لم يعد شيئا إلا وفى به". وقال مقاتل:
"وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه الرجل فأقام إسماعيل
مكانه ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع إليه الرجل".
وقال الكلبي : "انتظره حتى حال عليه الحول!"1. وفي معنى
وفاء إسماعيل عليه السلام بالوعد أنه
"وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به"2.
وفي المقابل حذرنا الله -عز وجل- من إخلاف الوعد، وبين أنه صفة من صفات المنافقين -والعياذ بالله-، فقد جاء في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( آية المنافق ثلاث : إذا وعد أخلف ، و إذا حدث كذب ، و إذا اؤتمن خان ). فمن وعد إنساناً وعداً فإن عليه أن يفي بوعده إلا أن يكون الوعد وعداً بمعصية أو بما فيه مفسدة، أو ما إلى ذلك، فإنه لا يفي به بل عليه أن يخلفه، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "فالمراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير، وأما الشر فيستحب إخلافه، وقد يجب ما لم يترتب على ترك إنفاذه مفسدة"3. بل إن إخلاف الوعد مما فطر الله العباد على ذمه واستقباحه،
يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-:
"وإخلاف الوعد مما فطر الله العباد على ذمه واستقباحه،
وما رآه المؤمنون قبيحاً فهو عند الله قبيح"4
كل شيء في الهوى مستحسن *** ما خلا الغدر وإخلاف الوعود وقد أنكر الله على من يعد وعداً أو يقول قولاً لا يفي به، فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ } سورة الصف(2). وقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا سواء ترتب عليه عزم الموعود أم ل6. وقد أجمعَ العلماءُ على أن مَن وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهيّ عنه فينبغي أن يفي بوعده.7 فالوفاء بالوعد صفة من صفات الكرام، وإخلافه صفة من صفات اللئام، وكما قيل: وميعاد الكريم عليه دين *** فلا تزد الكريم على السلام
وقد أنشدوا: يذكره سلامك ما عليه*** ويغنيك السلام عن الكلام8 وإلا فقل "لا" تسترح وترح بها *** لئلا يقول الناس إنك كاذب9 إذا قلت في شيء "نعم" فأتمه *** فإن "نعم" دين على الحر واجب اللهم اجعلنا من الموفين بالوعود والعهود والعقود، واحشرنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.