عدد المساهمات : 3855تاريخ الميلاد : 16/11/1967العمر : 57
موضوع: سلمة بن دينار المعروف بأبي حازم الأعرج الأربعاء ديسمبر 01, 2010 10:24 am
سلمة بن دينار المعروف بأبي حازم الأعرج
في السنة السابعة والتسعين للهجرة شدَّ الخليفة سليمان بن عبد الملك الرحال إلى الديار المقدَّسة ملبياً نداء أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، ومضت ركائبه تحثُّ الخُطى من دمشق عاصمة الأمويين
إلى المدينة المنوَّرة التي وصلها وجلس فيها لاستقبال علمائها ، وأعيانها ، وعَلِيَّةِ قومها
ولمَّا فرغ سليمان بن عبد الملك من استقبال المُرَحِّبين به قال لبعض جلسائه:
" إنَّ النفوس لتصدأ كما تصدأ المعادن إذا لم تجد من يذكِّرها الفينة بعد الفينة ، ويجلو عنها صدأها "
فقالوا : " نعم يا أمير المؤمنين "
فقال : " أما في المدينة رجلٌ أدرك طائفةً من صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُذَكِّرنا ؟ هل في هذه المدينة المنوَّرة رجل أدرك أصحاب رسول الله يذكِّرنا ؟
.. قالوا : "بلى يا أمير المؤمنين "
ـ لو قالوا : نعم أي لا يوجد ـ "أليس في المدينة رجلٌ أدرك أصحاب رسول الله ؟ " .. إذا قالوا : نعم أي ليس في المدينة أحد ، نعم تفيد إثبات النفي ، لكن بلى تفيد نفي النفي ، ونفي النفي إثبات ، دقيقةٌ جداً ، في القرآن الكريم :
( سورة الأعراف : من آية " 172 " )
لو أنهم قالوا : نعم, لكفروا ، لو أنهم قالوا نعم أي لست ربنا ، دقيقة جداً اللُغة.
فقال : " أليس في المدينة رجلٌ أدرك في المدينة رجلٌ أدرك طائفةَ من أصحاب رسول الله يذكِّرنا ؟ "
فقالوا : " بلى يا أمير المؤمنين ، ها هنا أبو حازمٍ الأعرج "
فقال : " ومن أبو حازم الأعرج ؟ "
فقالوا : "عالِم المدينة ، وإمامها ، وأحد التابعين الذين أدركوا عدداً من الصحابة الكرام "
فقال : "ادعوه لنا وتلطَّفوا في دعوته " .
فذهبوا إليه ، ودعوه ، تلطَّفوا في دعوته ، فلمَّا أتاه ، رحَّب به ، وأدنى مجلسه وقال له معاتباً : " ما هذا الجفاء يا أبا حازم ؟ "
أي لم تأت للتسليم علي .. ما هذا الجفاء يا أبا حازم ؟ ..
فقال : " وأي جفاءٍ رأيت مني يا أمير المؤمنين ؟ "
فقال : "زارني وجوه الناس ولم تزرنِي "
فقال: " يا أمير المؤمنين إنَّما يكون الجفاء بعد المعرفة ، وأنت ما عرفتني قبل اليوم ، ولا أنا رأيتك ، فأي جفاءٍ وقع مني " كلامٌ واضحٌ كالشمس
عندئذٍ قال الخليفة لجُلسائه : " والله أصاب الشيخ في اعتذاره ، وأخطأ الخليفة في عِتابه "
ثمَّ التفت إلى أبي حازم ، وقال : " إنَّ في النفس شؤوناً أحببت أن أُفضي بها إليك يا أبا حازم "
فقال : " هاتها يا أمير المؤمنين والله المستعان " .
إذا سألك واحد سؤالا فاستعن بالله ، إذا شعرت أنه بإمكانك أن تجيبه عن سؤاله وأنت واثقٌ من علمك ، فهذا هو الجهل بعينه ، لأن الله عزَّ وجل يقول :
( سورة الإسراء )
إذا سألك واحد سؤالا فعوِّد نفسك هذه الطريقة ، استعن بالله بقلبك ، يا رب أعني على أن أجيبه ، لا تخزني أمامه ، علِّمني أن أجيبه .
فقال : " هاتها يا أمير المؤمنين والله المستعان "
فقال الخليفة : " يا أبا حازم لِمَ نكره الموت ؟ "
سؤال : ما من الناس واحد إلا ويكره الموت ، فإذا شعر أن في جسمه بعض العِلَل الخطرة ترتعد فرائصه ، هكذا حال معظم الناس فقال : " يا أبا حازم لمَ نكره الموت ؟ " .
فقال أبو حازم : " لأنكم عمَّرتم الدنيا ، وخرَّبتم الآخرة "
فهو جوابٌ واضحٌ كالشمس ، عمَّرتم الدنيا ، زخرفتموها ، بنيتم البيوت الفخمة ، فرشتموها بالأثاث الوثير ، جعلتم أعمالكم فيها أبَّهة وعظمة ، كوَّنتم مكاناً اجتماعياً ، ودخلاً كبيراً ، فوالله الموت صعب جداً .
فقال : " صدقت ، ولكن يا أبا حازم ما لنا عند الله غداً ؟ ما مكاننا ؟ ما موقعنا ؟ ما رُتْبَتُنا ؟ ".
فقال : " اعرض عملك على كتاب الله عزَّ وجل تجد جواب ذلك " .
قال : " وأين أجد في كتاب الله تعالى ؟ "
قال : تجده في قوله تعالى:
( سورة الانفطار )
كلامٌ واضحٌ كالشمس ..
إذا كنت باراً فأنت في نعيم بعد الموت ..
فقال : " يا أبا حازم إذاً فأين رحمة الله ؟ " .
فقال أبو حازم : " إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين "
هل أنت محسن حتَّى تَنَالَكَ رحمة الله؟ إنها قريبةٌ من المحسنين .
فقال : " يا أبا حازم ليت شعري كيف القدوم على الله تعالى ؟ " .
فقال أبو حازم : " أمَّا المحسن فكالغائب يقدم على أهله "
تصوَّر إنسانًا يدرس في بلد أجنبي ، وله أهل في بحبوبة كبيرة ، ويحبّونه حُبَّاً جمَّاً ، وعلموا أنه سيأتي بعد أسبوعين ، فيصبح البيت كلُّه عيد ، تصنع له أمُّه أَلَذَّ الأكلات ، تُهَيَّؤ له غرفةٌ فيها ما لَذَّ وطاب .. أما المحسن فكالغائب يعود إلى أهله .. كلامٌ بليغ ،
فقال : " وأما المسيء فكالعبد الآبق يُساق إلى مولاه "
العبد الهارب، أُلقي القبض عليه ، واقتادوه إلى مولاه ليلقى جزاء عمله ، لذلك قال الله تعالى :
( سورة القصص ) أُلقي القبض عليه ، وسيق مخفوراً إلى التحقيق ، المُتَّقون يأتون يوم القيامة وفداً ..
( سورة مريم ) المُجْرِم يُساق سوقاً لأنه متهم ، فبكى الخليفة حتَّى علا نحيبه ، واشتدَّ بكاؤه ثم قال : " يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح ؟ " .
فقال الخليفة : " وهذا المال ، ما السبيل إلى تقوى الله فيه ؟ " .
فقال أبو حازم : " إذا أخذتموه بحقِّه ، ووضعتموه في أهله ، وقسَّمتموه بالسويَّة ، وعدلتم فيه بين الرعيَّة " .
فقال الخليفة : " يا أبا حازم أخبرني عن أفضل الناس " .
فقال : " أهل المروءة والتُقى " .
فقال : " وما أعدل القول ؟ " .
قال : " كلمة حقٍ يقولها المرء عند من يخافه ، وعند من يرجوه " .
قال : " ما أسرع الدعاء إجابةً ؟ " .
قال : " دعاء المحسن للمحسنين " .
قال : " ما أفضل الصدقة ؟ " .
قال: " جُهْدُ المُقِل ـ المقل هو قليل المال ـ يضعه في يد البائس من غير أن يتبعه مَنَّاً ولا أذى" .
فقال : " من أكيس الناس ؟ ـ من أعقل الناس ؟ ، " .
قال : " رجلٌ ظَفِرَ بطاعة الله تعالى ، فعمل بها ، ثمَّ دلَّ الناس عليها " ظَفِرَ ، أي ظفرَ بها أولاً ، ودلَّ الناس عليها ثانياً .
فقال : " فمن أحمق الناس ؟ " .
قال : "رجلٌ انساق مع هوى صاحبه ، وصاحبه ظالمٌ ، فباع آخرته بدنيا غيره " .
فقال الخليفة : " هل لك أن تصحبنا يا أبا حازم فتصيب منَّا ، ونصيب منك ؟ " أي تستفيد من مالنا ، ونستفيد من علمك .
فقال : " كلا يا أمير المؤمنين " هذه كلا لها معنى دقيق في اللغة ، ليس معناها لا ؛ بل كلا أداة ردع .
قال: " ولِمَ ؟ " .
قال : " أخشى أن أركن إليكم قليلاً فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات " .
قال : " ارفع إلينا حاجتك يا أبا حازم " ، فسكت ولم يجب .
فأعاد عليه قوله : " ارفع إلينا حاجتك يا أبا حازم نقضها لك مهما كانت " .
فقال : " حاجتي أن تنقذني من النار ، وأن تدخلني الجنَّة " .
فقال : " هذا ليس من شأني " .
فقال : " إذاً ليس لي إليكَ حاجة " إذا كان هذا ليس من شأنك إذاً ليس لي إليكَ حاجة .
فقال : " ادع لي يا أبا حازم " .
فقال : " اللهمَّ إن كان عبدك سليمان من أوليائك فَيَسِّره إلى خَيْرَي الدنيا والآخرة ، وإن كان من أعدائك فأصلحه ، واهده إلى ما تحبُّ وترضى " .
فقال رجل : " بئس ما قلت منذ دخلت على أمير المؤمنين ، فلقد جعلت خليفة المسلمين من أعداء الله ، وآذيته " .
قال أبو حازم : " بل بئس ما قلت أنت ، فلقد أخذ الله على العلماء الميثاق بأن يقولوا كلمة الحق فقال :
( سورة آل عمران: من آية " 187 " )
ثمَّ التفت إلى الخليفة وقال : " يا أمير المؤمنين إن الذين مَضَوْا قبلنا من الأمم الخالية ظلوا في خيرٍ وعافية ما دام أمراؤهم يأتون علماءهم رغبةً فيما عندهم ، ثمَّ وجِدَ قومٌ من أراذل الناس تعلَّموا العلم ، وأتوا به الأمراء يريدون أن ينالوا به شيئاً من عَرَض الدنيا ، فاستغنت الأمراء عن العلماء ، فتعسوا ، ونكسوا ، وسقطوا من عين الله عزَّ وجل ، ولو أن العلماء زهدوا فيما عند الأمراء لرغب الأمراء في علمهم ، ولكن رغبوا فيما عند الأمراء فزهدوا في علمهم ، وهانوا عليهم " .
فقال الخليفة : " صدقت ، زدني من موعظتك يا أبا حازم ، فما رأيت أحداً الحكمة أقرب إلى فمه منك " .
فقال : " إن كنت من أهل الاستجابة فقد قلت لك ما فيه الكفاية ، وإن لم تكن من أهلها فما ينبغي لي أن أرمي عن قوسٍ ليس لها وتر " .
فقال الخليفة : " عزمت عليك أن توصيني يا أبا حازم " ، أوصني .
فقال : " نعم سوف أوصيك ، وأوجز عَظِّم ربَّك ، ونَزِّهه أن يراك حيثُ نهاك ، وأن يفتقدك حيث أمرك " ثمَّ سلَّم وانصرف .
فقال الخليفة : "جزاك الله خيراً من عالمٍ ناصح " .
وما كاد أبو حازم يبلغ بيته حتَّى وجد أن أمير المؤمنين قد بعث إليه بصرَّةٍ مُلئت دنانير ، وكتب إليه يقول : " أنفقها ، ولك مثلها كثيرٌ عندي "، فردَّها ، وكتب إليه يقول : " يا أمير المؤمنين أعوذ بالله أن يكون سؤالك إيَّاي هزلاً ، وردي عليك باطلاً ، فوالله ما أرضى ذلك لكَ فكيف أرضاه لنفسي ؟! يا أمير المؤمنين إن كانت هذه الدنانير لقاء حديثي الذي حدَّثتك به ، فالميتة ، ولحم الخنزير في حال الاضطرار أَحَلُّ منها ، وإن كانت حقَّاً لي من بيت مال المسلمين فهل سَوَّيت بيني وبين الناس جميعاً في هذا الحق؟ " .
هذا أحد التابعين الأكارم ، واسمه أبو حازم ، اسمه الأصلي سلمة بن دينار .
الحب في الله .
عدد المساهمات : 648
موضوع: رد: سلمة بن دينار المعروف بأبي حازم الأعرج الأربعاء ديسمبر 01, 2010 5:38 pm
جزاك الله خيرا اخى وبارك الله فيكم وفيما قدمتم لنا
om_nour .
عدد المساهمات : 5046
موضوع: رد: سلمة بن دينار المعروف بأبي حازم الأعرج الخميس فبراير 17, 2011 5:36 pm