كيف يمكن ان اتدبر القرآن
للشيخ عبدالله السحيم
لا شكَّ أنَّ القراءة على الوجه المأمور به هي القراءة التي تُورث
القلب من العلم والإيمان والطمأنينة ؛ كما قال شيخ الإسلام
ابن تيمية -رحمه الله- ، والهدى كما قال ابن القيم :
فتدبَّر القرآن إنْ رُمت الهدى *** فالعلم تحت تدبر القرآنِ
وجاء الأمرُ بالتَّدبر في آيات ، في النِّساء ، وفي المؤمنين ،
وفي ص ، وفي محمد ، في أربع آيات جاء الأمر بالتدبر ،
وجاء الأمرُ بالتَّرتيل ، فقراءة القرآن مع التدبر والترتيل هذا
هو الوجه المأمُور به ، المُشار إليه في كلام شيخ الإسلام .
كيف يتدبَّر القرآن؟.
وليت مثل هذا السؤال يُلقى على أهل القُرآن ، الذين هم أهلُ الله وخاصَّتُهُ ،
الذين يتعاملون مع القُرآن ، وهو بالنِّسبة لهم ديدنهم وهجيراهم ،
أما غيرهم مثلي أصحاب تخليط ، مرة تفسير ، ومرة تاريخ ، ومرة حديث ،
ومرة أدب ، ومرة ثقافة عامَّة ؛ لكن يُحسن مثل هذا الجواب مع
مثل هذا السُّؤال أهل القرآن ، وإنْ كان ابن القيم - رحمه الله تعالى -
لهُ نظر و رأي في أهل القرآن ، وأنَّ أهل القرآن هُم المُعتنون به
قراءةً وإقراءً وفهماً وعملاً ، وإنْ لم يحفظُوه ، يقول :
لكنْ من عُرف بأنَّهُ من أهل القرآن و شاع وعُرف بين النَّاس
أنَّهُ من أهلهِ هو الطَّبيب المُداوي في مثل هذا الدَّاء .
كثير من النَّاس يشكُو أنَّهُ قد يقرأ القُرآن ولا يستحضر شيء ،
ويحصل معنا ومع غيرنا وإلى المُشتكى أنَّ الإنسان يستفتح
سورة يونس فما يُفيق إلا وهو في يوسف مُتجاوزاً سُورة هًود
ما كأنَّهُ قرأ منها حرف .
وجاء في الحديث أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال لهُ أبو بكر :
أراكَ شِبْتَ يا رسُول الله ، قال :
(( شيَّبتني هُود وأخواتها )) .
والكلام ليس من فراغ ، هذا الكلام له واقع ، يدخل الإنسان
في الصَّلاة ويخرج وما كأنَّهُ صلَّى ، ويفتح المُصحف ولا يدري
هُو في الصَّفحة اليُمنى أو في اليُسرى ، هذا لا شكَّ أنَّهُ خلل يحتاج إلى علاج ، يحتاج إلى عناية .
هذا كلام الله ، نقرأ بقلُوبٍ مُنصرفة !! ، ونحنُ لو جاءنا تعميم من
المسؤول الأرفع إلى المُدير ؛ لابدَّ أنْ يُجمع لهُ الوُكلاء ،
ويُجمع لهُ رُؤساء الأقسام وينظرُون في منطُوقِهِ ، ومفهُومِهِ ،
ووش يُستنبط منه ؟ وماذا يُستفاد منه ؟ يجتمعُون عليه اللَّيالي والأيَّام .
لو صدر نظام جديد يفعلون به هكذا ، وإذا أشكل عليهم شيء استفسرُوا ،
وجاءت المُذكَّرات التَّفسيريَّة ، وهذا كلامُ ربِّنا يقرأ الإنسان وكأنَّهُ يقرأ جريدة .
ولا شكَّ أنَّ القُلُوب مُنصرِفَة ، تجد الإنسان في صلاتِهِ لا يُدْرِك منها شيء ،
في تلاوتِهِ لا يُدرك شيء ، في ذِكرِهِ باللِّسان فقط .
والحسن البصري - رحمه الله - يقول :
" تفقَّد قلبك في ثلاثة مواطنْ ؛ فإنْ وجدته و إلاَّ فاعلم أنَّ الباب مُغلق :
- في الصَّلاة .
- في قراءة القرآن .
- في الذِكر .
كثير من طُلاَّب العلم لو قُلتَ لهُ :
{ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُور ِ}
[ سورة المدثر]
في أي سُورة ؟ هو حافِظ للقُرآن ، أخذ يستذكِر ،
ويسترجع ، وكم آية بعدها وقبلها ، فضلاً عنها هل تُؤثِّر فيهأو لا تُؤثِّر؟.
أحياناً لا تُحرِّك شعرة ، في كثير من طُلاب العلم مع الأسف ،
وزُرارة بن أوفى سمعها من الإمام في صلاة الصُّبح ومات ،
وبعض النَّاس يُشكِّك في مثل هذهِ القصص ؛ لأنَّهُ ما أدْرك حقيقة الأمر ،
و لا يعرف معناها ، وهذا كُلُّهُ سبَبُهُ البُعد والإعراض عنْ النَّظر
فيما يُعينُ على فهم كلام الله - جل وعلا - .
والطَّريقة التي ذكرناها في منهجيَّة القراءة في كُتب التَّفسير
تُعينهُ - بإذن الله تعالى - على التَّدبُّر .أهـ.
__________________
قال ابن رجب رحمه الله :"خاتمة السوء تكون
بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس".
وقال بعضهم : ( كم من معصية في الخفاء منعني منها
قوله تعالى : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ) .
" إن الحسرة كل الحسرة ، والمصيبة كل المصيبة :
أن نجد راحتنا حين نعصي الله تعالى