الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
نعيش هذه الأيام في ظلال شهر الله المحرّم وهو شهر عظيم مبارك وهو أول شهور السنّة الهجرية وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [ التوبة :. [36
لذا رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم من الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّم ([ رواه مسلم ، رقم 1982]
ومن الأيام الفضيلة في هذا الشهر والتي نَوَهَ النبي صلى الله عليه وسلم واحتفى بها عاشوراء ،وهو العاشر من محرم . عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمِْ فَصَامَهُ مُوسَى ، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ ِصِيَامِهِ [رواه البخاري ، رقم 1865 ]
وصيام عاشوراء كان معروفا حتى على أيّام الجاهلية قبل البعثة النبويّة فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت " إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه " .. قال القرطبي : لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السّلام . وقد ثبت أيضا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدّم .
إذن تنويهاً بهذا اليوم الذي نجى الله فيه موسى من فرعون وشكراً لله على ذلك – حيث قال صلى الله عليه وسلم : أنا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ – صامه عليه الصلاة والسلام ، بل حرص وأمر بصيامه ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ " [رواه البخاري ، رقم 1867 ]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ) صيامُ يومِ عاشوراءَ ، إني أحتسبُ على الله أن يُكَفرِّ السنة التي قبله ([رواه مسلم ،رقم 1976 ] وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم . وروى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ): فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ( قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ رواه مسلم، رقم 1916 ] .
قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون : يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر , ونوى صيام التاسع
إن صيام عاشوراء هي طريقة أهل السنة في الاحتفاء والاحتفال بهذا اليوم ، لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم . ولكن وجدنا من يخالف هذا الهدي وينحرف عن طريق المصطفى ويبتدع طريقة زينها الشيطان ، وهذا ما يفعله الشيعة الإمامية ، حيث إنهم في هذا اليوم يلطمون الخدود ، ويشقون الجيوب ، ويفتحون بيوت العزاء وبعضهم يلبس السواد في شهر محرم ، وآخرون يُعبرون عن حزنهم بضرب قاماتهم ورؤوسهم وأكتافهم بالسلاسل والسيوف وفي كربلاء وحول قبر الحسين – الذي استشهد في هذا اليوم- يمرون على هيئة مواكب وآحاد يصاحب ذلك كله البكاء والنحيب ، وهم في ذلك كله يعتمدون ، على ما نُسب إلى أئمتهم زوراً " من بكى أو تباكى على الحسين وجبت له الجنة " .
ولقد كان للصفويين ، بقيادة الشاه إسماعيل الصفوي دوراً كبيراً في إشاعة هذه البدع ، وجعلها جزءاً من الكيان الشيعي ، حيث كان البلاط الصفوي يعلن الحداد في العشر الأول من محرم من كل عام ، ويستقبل الشاة المعزين في يوم عاشوراء ، وكانت تقام في البلاط احتفالات خاصة لهذا الغرض تجتمع فيها الجماهير ويحضرها الشاة بنفسه .
ويذكر الدكتور موسى الموسوي في كتابه ( الشيعة والتصحيح ص99) أن ضرب الأكتاف والروؤس بالسيوف والسلاسل في عاشوراء تَسرَّب إلى إيران والعراق من الهند وذلك إبان الاحتلال الانجليزي لتلك البلاد ، وكان الانجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للحسين فعَلَّموهم ضرب القامات والرؤوس . ويقول الموسوي : وحتى إلى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في العراق وإيران تُمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة ، وكان الغرض من هذه السياسة ، إعطاء مُبرر معقول للشعب البريطاني وللصحف الحرة التي كانت تعارض بريطانيا في استعمارها للهند ولبلاد إسلامية أخرى وإظهار تلك البلاد بمظهر المتوحشين الذين يحتاجون إلى قيِّم ينقذهم من الجهل والتوحش ، فكانت صور تلك المواكب تنشر في الصحف الانجليزية والأوربية . وكان الساسة الاستعماريون يتذرعون بالواجب الإنساني في استعمار بلاد تلك هي ثقافة شعوبها ، ولحمل تلك الشعوب على جادة المدنية والتقدم . وقد قيل إن ياسين الهاشمي رئيس الوزراء العراقي في عهد الاحتلال الانجليزي للعراق عندما زار لندن للتفاوض مع الانجليز لإنهاء عهد الانتداب قال له الانجليز : نحن في العراق لمساعدة الشعب العراقي ، كي ينهض بالسعادة وينعم بالخروج من الهمجية . ولقد آثار هذا الكلام الهاشمي ، فخرج من غرفة المفاوضات غاضباً ، غير أن الانجليز اعتذروا منه بلباقة ثم طلبوا منه بكل احترام أن يُشاهد فيلماً وثائقياً عن العراق فإذا به فيلم عن المواكب الحسينية ، تُصور مشاهد مروعه عن ضرب القامات بالسلاسل .
ويواصل الدكتور الموسوي حديثه قائلاً : كنت قبل ثلاثين سنة واقفاً في روضة الحسين وذلك يوم العاشر من محرم ، وإذا بأحد المواكب التي تضرب القامات بالسيوف والسلاسل تدخل الروضة ، والدماء تسيل على جباههم وجنوبهم ، وكان بجانبي شيخاً وقوراً طاعناً في السن ، فسألني ، ما بال هؤلاء الناس وقد أنزلوا بأنفسهم هذه المصائب والآلام ؟ قلت : كأنك لا تسمع ما يقولون ، إنهم يقولون : " واحسيناه " أي لحزنهم على الحسين . ثم سألني الشيخ من جديد : أليس الحسين الآن في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟! قلت : نعم . ثم سألني أليس الحسين في هذه اللحظة في الجنة التي عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين ؟ قلت : نعم . ثم سألني : أليس في الجنة حورٌ عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ؟ قلت : نعم . وهنا تنفس الشيخ الصُعداء وقال : بلهجة وحزن وألم : ويلهم من جهلة أغبياء لماذا يفعلون بأنفسهم هذه الأفاعيل لأجل إمام هو الآن في جنة ونعيم ويطوف عليه ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من نعيم .
إن مما لا شك فيه أن قتل الحسين كان جريمة كبيرة ، لاسيما إذا علمنا مكانته عليه السلام عند المسلمين حيث وصفه النبي صلى الله عليه وسلم وأخاه الحسن بقوله ، كما عند البخاري من حديث ابن عمر : ( هما ريحانتي من الدنيا ) ووصفهما أيضاً بأنها : ( سيدا شباب أهل الجنة ) وقال أيضاً كما عند الترمذي : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا ) وعند أحمد من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي ) . كما أن ثورته كانت تمثل نموذجاً يقتدى به في الوقوف في وجه الظلم ، ولم يستشهد رضي الله عنه لتبكي الناس عليه وتلطم الخدود وتصوره بالبائس المسكين وإنما أراد أن يعطي درساً بليغاً في الإيثار عن النفس والحزم والعزم والشجاعة في مقارعة الظلم والاستبداد . فإحياء ذكرى استشهاده بتجديد الأحزان والبكاء على الماضي ، منطق لا يرضاه عقل ولا شرع . لذا أما آن للعقلاء والمرجعيات والمثقفين من الشيعة أن يعودوا إلى رشدهم فَيكفوا عن هذه البدع والهرطقات التي تقدم أبشع وأقبح صورة عن الإسلام ؟!