شرح سلسلة الأحاديث من كتاب
(أحسن البيان في شرح كتاب الإيمان من اللؤلؤ والمرجان )
:: هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية ::
حديث ابْنِ مَسْعودٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ
رَجُلٌ يا رَسُولَ اللهِ أَنُؤَاخَذُ بِما عَمِلْنا في الْجاهِلِيَّةِ
قَالَ: مَنْ أَحْسَنَ في الإِسْلامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِما عَمِلَ في
الْجاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَساءَ في الإِسْلامِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ).
الشرح:
بين
النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث جوابا عن سؤال حكم أعمال السوء
التي يعملها الإنسان وقت كفره أنها على حالتين بعد إسلامه على حسب عمله:
الحالة الأولى:
أن يكون حسن الإسلام بأن يتمسك بالشرع ويستقيم عليه ظاهرا وباطنا فيؤدي
الفرائض والسنن ويترك المحرمات خاصة التي كان يعملها سابقا والعبرة بالغالب
فهذا يكفر الله سيئاته التي اجترحها حال كفره ولو عظمت ولا يحاسب عليها
يوم القيامة لأنه أهلا للتجاوز والغفران والحسنات تمحو السيئات. كما في
قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ). بل وقد ورد في السنة ما يدل على أنه يثاب أيضا على الحسنات التي فعلها حال كفره وقد نص الإمام أحمد على ذلكوهذا من لطف الله بعباده وعظيم كرمه ومنه.
الحالة الثانية:
أن يكون سيئ الإسلام بأن يفرط في الفرائض ويسرف على نفسه بالذنوب والعظائم
ويتجاوز في حقوق العباد ويستخف بشرع الله فهذا عياذا بالله يأثم ويكون
عليه وزر الذنوب التي فعلها قبل الإسلام وبعد الإسلام ويحاسب عليها يوم
القيامة ولا تغفر له الذنوب السابقة لأنه ليس أهلا للتجاوز. وفي مسند أحمد:
(إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث).
أما
ذنب الكفر فيكفره الدخول في الإسلام لأن حسنة التوحيد تكفر سيئة الكفر
والشرك. وما ورد في النصوص أن الإسلام يهدم ما قبله فمحمول على الإسلام
الحسن والاستقامة التامة جمعا بين النصوص كما نبه المحقق ابن رجب على ذلك. ومما
يؤسف له أنك ترى طائفة من المسلمين الجدد لا يحسن إسلامهم ولا يأخذون
الدين بقوة فيستمرون على شرب الخمر وأكل الربا والزنا ولبس الذهب ونحوه
ويتهاونون في أداء الصلاة وأركان الدين مما يكون سببا في ضعف دينهم أو
انتكاستهم بالكلية وتمثيلهم الدين بصورة سيئة. وفي الحديث دليل على أن
الكافر إذا اكتسب مالا حراما ثم أسلم وحسن إسلامه لم يؤاخذ بذلك دنيا وآخرة
وكان ما في يده حلال لا يلزمه التخلص منه. وفيه إطلاق الجاهلية على زمن
الكفر أما زمن الإسلام وغلبته فلا يصح إطلاق الجاهلية على سبيل العموم كما
يفعله بعض المفكرين وإنما يقيد فيقال للمخالفة هذا من عمل الجاهلية أو
للرجل فيك شعبة من الجاهلية كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في
مناسبات متعددة. وينبغي على الدعاة أن يبينوا هذه المسألة للكفار ليتضح لهم
سماحة الإسلام ويرغبوا في الدخول فيه لأن بعض الكفار يعوقه عن الدخول
اعتقاده بهلاكه لكثرة ذنوبه وإسرافه على نفسه فالمشروع للداعي التيسير
والتبشير لمن رغب في الدخول وعدم التشديد عليه.
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة