من
انوار سورة العنكبوت
سورة العنكبوت مكية .
وقد ذكرت بعض الروايات أن الإحدى عشرة آية الأولى مدنية
وذلك لذكر الجهاد فيها وذكر " المنافقين
ولكننا نرجح أن السورة
كلها مكية .
وقد ورد في سبب نزول الآية الثامنة أنها نزلت في إسلام سعد
بن أبي وقاص كما
سيجيء .
وإسلام سعد كان في مكة بلا جدال
وهذه الآية ضمن الآيات الإحدى عشرة التي قيل إنها مدنية
لذلك نرجح مكية الآيات كلها .
أما تفسير ذكرالجهاد فيها فيسير . لأنها واردة بصدد الجهاد ضد الفتنة
أي جهاد النفس لتصبر ولاتفتن . وهذا واضح في السياق .
وكذلك ذكر النفاق فقد جاء بصدد تصوير حالة نموذج من
الناس .
والسورةكلها متماسكة في خط واحد
منذ البدء إلى الختام .
إنها تبدأ بعد الحروف المقطعة
بالحديث عن الإيمان والفتنة ,
وعن تكاليف الإيمان الحقة
التي تكشف عن معدنه في النفوس
فليس الإيمان كلمة تقال باللسان
إنما هوالصبرعلى المكاره والتكاليف في طريق هذه الكلمة المحفوفة
بالمكاره والتكاليف
ويكاد هذا أن يكون محور السورة
وموضوعها ;
فإن سياقها يمضي بعد ذلك المطلع يستعرض قصص نوح وإبراهيم ولوط
وشعيب ,
وقصص عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان
استعراضا سريعا يصور ألوانا من
العقبات والفتن في طريق الدعوة إلى الإيمان .
على امتدادالأجيال
ثم يعقب على هذا القصص وما تكشف
فيه من قوى مرصودة في وجه الحق والهدى ,
بالتصغيرمن قيمة هذه القوى
والتهوين من شأنها , وقد أخذها الله جميعا:
(
فَكُلاّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ
حَاصِباً
ومنهم مّنْ أَخَذَتْهُ الصّيْحَةُ
وَمِنْهُمْ مّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ
وَمِنْهُمْ من أغرقنا).
ويضرب لهذه القوى كلها مثلا مصورا يجسم و هنها وتفاهتها:
(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ
اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً
وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ
لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ)
ويربط بعد ذلك بين الحق الذي في
تلك الدعوات والحق الذي في خلق السماوات والأرض ;
ثم يوحد بين تلك الدعوات
جميعا
ودعوة محمد [ صل الله عليه وسلم ] فكلها من عند
الله .
وكلها دعوة واحدة إلى الله
ومن ثم يمضي في الحديث عن الكتاب الأخير وعن استقبال
المشركين له
وهم يطلبون الخوارق غير
مكتفين بهذا الكتاب وما فيه من رحمة وذكرى لقوم يؤمنون
ويستعجلون بالعذاب وإن جهنم لمحيطة
بالكافرين .
ويتناقضون في منطقهم:
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )
< وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ
مَوْتِهَا
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ >
(( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدين). .
ولكنهم مع هذا كله يشركون بالله و يفتنون المؤمنين .
وفي ثنايا هذا الجدل يدعو المؤمنين
إلى الهجرة فرارا بدينهم من الفتنة ,
غيرخائفين من الموت ,
إذ (كُلُّ نَفْسٍ
ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُون
غير خائفين من فوات الرزق: وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم .
ويختم السورة بتمجيد المجاهدين في
الله وطمأنتهم على الهدى وتثبيتهم
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
.
[العنكبوت:69] ).
فيلتئم الختام مع المطلع وتتضح حكمة السياق في السورة ,
وتماسك حلقاتها بين المطلع والختام , حول محورها
الأول وموضوعها
الأصيل .
ويمضي سياق السورة حول ذلك المحور
الواحد في ثلاثة أشواط:
الشوط الاول يتناول حقيقة الإيمان , وسنة الابتلاء والفتنة
ومصير المؤمنين والمنافقين
والكافرين .
ثم فردية التبعة فلا يحمل أحد عن أحد
شيئا يوم القيامة
]((
وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ).
والشوط الثاني يتناول القصص الذي أشرنا إليه
وما يصوره من فتن وعقبات في طريق الدعوات والدعاة
والتهوين من شأنها في النهاية حين تقاس إلى قوة
الله .
ويتحدث عن الحقا لكامن في دعوة الرسل ,
وهو ذاته الحق الكامن في خلق السماوات والأرض . وكله
من عند الله
والشوط الثلث يتناول النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا
بالحسنى .
إلا الذين ظلموامنهم . وعن وحدة الدين كله ,
واتحاده مع هذا الدين الأخير الذي يجحد به
الكافرون
ويجادل فيه المشركون
ويختم بالتثبيت والبشرى والطمأنينة للمجاهدين في الله
المهدي ينإلى سبل
الله:
( وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
) ،).
ويتخلل السورة من المطلع إلى
الختام إيقاعات قوية عميقة حول معنى الإيمان وحقيقته .
تهز الوجدان هزا . وتقفه أمام تكاليف الإيمان
وقفة جد صارم
فإما النهوض بها
وإما النكوص عنها . وإلا فهو النفاق الذي
يفضحه الله
وهي إيقاعات لا سبيل إلى تصويرها
بغير النصوص القرآنية التي وردت فيها .
فنكتفي بالإشارة
إليها هنا حتى نستعرضها في موضعها مع السياق
الدرس الأول 1 سنة الفتنة
والإبتلاء ونتائجها
ألف . لام
. ميم . .
الحروف المقطعة التي اخترنا في تفسيرها أنها للتنبيه إلى أنها مادة
الكتاب
الذي أنزله الله على رسوله [ صل الله عليه وسلم ] مؤلفا من مثل
هذه الحروف
المألوفة للقوم , الميسرة لهم ليؤلفوا منها ما يشاؤون من
القول ;
ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها مثل هذا
الكتاب ;
لأنه من صنع الله لا من صنع إنسان
وقد قلنا من قبل :إ ن السور التي صدرت بهذه الحروف تتضمن حديثا عن القرآن
إما مباشرة بعد هذه الحروف , وإما في ثنايا السورة ,
كما هو الحال في هذه السورة
فقد ورد فيها: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ
مِنَ الْكِتَابِ). .
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الْكِتَابَ ...
(وَمَا كُنْتَ تَتْلُو
مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ). .
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ
مما يتمشى مع القاعدة التي اخترناها لتفسير هذه
الأحرف في افتتاح السور