§§][][ الهروب ][][§§في يوم الفتح رأت قريش ألا قبل لها بمحمد صلى الله عليه
وسلم وأصحابه ، فأجمعت على أن تخلي له السبيل إلى مكة ،
وقد أعانها على اتخاذ قرارها هذا ما عرفته من أن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر قادته ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم من
أهل مكة ، لكن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ونفر
ممن معه خرجوا على إجماع قريش ، وتصدوا للجيش الكبير ،
فهزمهم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، والذي أسلم قبل فتح
مكة بعام ، هزمهم في معركة صغيرة ، قتل فيها من قتل ،
ولاذ بالفرار من لاذ ، وكان في جملة الفارين عكرمة بي أبي
جهل رضي الله عنه ، ولقدكان عهد رسـول اللـه صلى اللـه عليه
وسلم إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة
ألا يقتلوا إلا من قاتلهم ، إلا أن النبي صلى اللـه عليه وسلم
استثنى منهم نفرا سماهم بأسمائهم واحدا واحد ، وأمر بقتلهم ،
وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم عكرمة رضي الله عنه
لشدة عداوته وشدة تنكيله بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وشدة كراهيته للإسلام ، لذلك تسلل متخفيا من مكة ، ويمم وجهه
شطر اليمن ، إذ لم يكن له ملاذ إلا هناك ، هرب من الجزيرة العربية
إلى اليمن في جنوبها
§§][][ الأمان ][][§§أم حكيم زوجته مضت مع هند بنت عتبة رضي الله عنهما إلى
منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما عشرة نسوة ليبايعن
النبي صلى الله عليه وسلم ، وقامت أم حكيم زوج عكرمة بن أبي
جهل رضي الله عنهما فأسلمت ، وقالت :
يا رسول الله ، قد هرب منك عكرمة إلى اليمن خوفا أن تقتله
فأمنه أمنك الله ، فقال صلى الله عليه وسلم :
" هو آمن "
فخرجت من ساعتها في طلبه حتى أدركت عكرمة رضي الله عنه
عند ساحل البحر في منطقة تهامة ، وهو يفاوض نوتيا ، والنوتي
هو الملاح صاحب السفينة ، وكان النوتي مسلم ويقول له :
أخلص حتى أنقلك
فقال عكرمة رضي الله عنه : وكيف أخلص حتى تنقلني؟
قال : تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
فقال عكرمة رضي الله عنه : ما هربت إلا منها
وفيما هو كذلك أقبلت أم حكيم على عكرمة رضي الله عنهما ،
وقالت : يا ابن عمي جئتك من عند أفضل الناس ، جئتك من عند خير
الناس ، جئتك من عند أبر الناس ، من عند محمد بن عبد الله عليه
الصلاة والسلام ، ولقد استأمنت لك منه ، وأمنك فلا تهلك نفسك
قال رضي الله عنه : أنت كلمتِه
قالت رضي الله عنها : نعم ، أنا كلمته ، وأمنك
وما زالت به تؤمنه ، وتطمئنه حتى عاد معها
§§][][ إسلامه ][][§§فلما دنا عكرمة رضي الله عنه من مكة قال صلى الله عليه وسلم
لأصحابه :
" سيأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه ،
فإن سب الميت يؤذي الحي ، ولا يبلغ الميت "
وما هو إلا قليل حتى وصل عكرمة رضي الله عنه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم
وثب إليه من غير رداء فرحا به ..فرحا بإسلامه .
ولما جلس صلى الله عليه وسلم وقف عكرمة رضي الله عنه بين
يديه ، وقال : يا محمد إن أم حكيم أخبرتني أنك أمنتي
فقال صلى الله عليه وسلم : " صدقت ، فأنت آمن "
قال عكرمة رضي الله عنه : إلام تدع يا محمد ؟
قال صلى الله عليه وسلم :
" أدعوك إلى أن تشهد أنه لا إله إلا الله ، وأني عبد الله ورسوله ،
وأن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة "
حتى عد أركان الإسلام كلها
فقال عكرمة رضي الله عنه : والله يا رسول الله ما دعوت إلا إلى حق ،
وما أمرت إلا بخير ، ثم أردف يقول :
يا رسول الله ، قد كنت فينا والله قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه ،
وأنت أصدقنا حديثا ، وأبرنا برا ، ثم بسط يده ، وقال :
إني أشهد أنه لا إله إلا الله ، وأشهد أنك عبده ورسوله ، ثم قال :
يا رسول الله علمني خير شيء أقوله
فقال صلى الله عليه وسلم :
"قل أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله "
فقال عكرمة رضي الله عنه : ثم ماذا
فقال صلى الله عليه وسلم :
" تقول أشهِد الله ، وأشهِد من حضر أني مسلم مجاهد مهاجر "
فقال عكرمة رضي الله عنه ذلك ، عند هذا قال صلى الله عليه
وسلم : " اليوم لا تسألني شيئا أعطيه أحداً إلا أعطيك إياه "
ثم قال عكرمة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم :
يا رسول الله ، إني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتك ،
أنا كنت عدوا لدودا لك ، أو كل مقام لقيتك فيه ، وكل كلام قلته
في وجهك ، أو في غيبتك ، فاستغفر لي الله عز وجل .
فقال صلى الله عليه وسلم :
" اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها ، وكل مسير سار به إلى موضع
يريد به إطفاء نورك ، واغفر له ما نال من عرضي في وجهي ،
أو أنا غائب عنه "
فتهلل وجه عكرمة رضي الله عنه بشرا ، وقال :
أما والله يا رسول الله لا أدع نفقة كنت أنفقتها في الصد عن سبيل
الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله ، ولا قتالاً قاتلته صدا عن سبيل
الله إلا قاتلت ضعفه في سبيل الله .
ومنذ ذلك اليوم انضم عكرمة رضي الله عنه إلى موكب الدعوة فارسا
باسلا في ساحات القتال ، وعابدا قواما قراء لكتاب الله في المساجد ،
فقد كان يضع المصحف على وجهه ويقول :
كتاب ربي ، كلام ربي ، وهو يبكي من خشية ربه .
قال ابن أبي مليكة :
كان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال : لا والذي نجاني يوم بدر .