nour .
عدد المساهمات : 2866
| موضوع: رمضان في التاريخ الإسلامي وتصحيح المفاهيم ( تقرير الخميس أغسطس 04, 2011 9:13 pm | |
| منح الله الأمة الإسلامية مميزات النهوض والتكاتف والتوحد أكثر مما هي موجودة لدى الأمم الأخرى..ومن أجل هذه المميزات شهر رمضان الكريم الذي شمل كل عوامل التقرب إلى الله والوحدة والنهوض الإسلامي والارتقاء، حيث الصبر والمجاهدة والتراحم والتآلف..وعندما كان المسلمون الأوائل يدركون المفهوم الصحيح لهذا الشهر ويعملون بما يدركون كانت أمتهم أرقى الأمم وأقواها..ثم انقلب الحال إلى الضد في كثير من أمور المسلمين، وأصبح مفهوم رمضان خلاف ما جاء به الشرع، بل أصبح هذا الشهر أكثر عرضة للإساءة في زماننا في ظل ما تبثه وسائل الإعلام.. وأصبح وسيلة من وسائل الإلهاء والإغراء المفحش عند كثير من وسائل الإعلام، وبدلاً من أن يكون شهر المجاهدة والصبر أصبح شهر البطون والعيون المفرغة من كل معاني الدين والورع والتقوى والفلاح. ولهذا من المهم تذكير الناس بما كان عليه رمضان في التاريخ الإسلامي المشرف، وكيف كان المسلمون فيه، ومن ذلك الفتوحات والانتصارات والتوسع الإسلامي في أرجاء الأرض.. وهذا ما جاء هذا التقرير. معلومات عن رمضان:رمضان الشهر التاسع من شهور السنة وفق التقويم الهجري. سمي بهذا الاسم عام 412م على وجه التقريب، وذلك في عهد كلاب بن مرة الجد الخامس للرسول، حسب ما جاء في الموسوعة العربية..واشتق اسمه من الرمض، وهو حر الحجارة من شدة حر الشمس، ذلك أنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي هي فيها، فوافق رمضان أيام (رمض) الحر وشدته فسمي به، ووافق جمادى الأولى وجمادى الآخرة أيام تجمد الماء في الشتاء فسميا به، وهكذا كل شهور السنة الهجرية.ويقول بعض العلماء: إن شهر رمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حرّ جوفه من شدة العطش. ويقال هذا شهر رمضان، ولا تذكر كلمة شهر مع سائر أسماء الشهور العربية. قال تعالى: ﴿شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن﴾ [البقرة: 185].وعرف العرب أربع سلاسل من الأسماء للشهور العربية قبل أن تستقر على السلسلة الأخيرة المستخدمة الآن وذلك في مطلع القرن الخامس الميلادي..ولم تكن هذه المجموعات تُستخدم في زمن واحد وفي مكان واحد، فقد كان للعرب المستعربة أسماء لشهورهم كما كان للعرب العاربة أسماؤهم كذلك.والشهور العربية المعروفة حاليًا هي الأسماء التي وضعتها العرب المستعربة ولم يطرأ عليها تعديل أو تغيير منذ ما يزيد على 19 قرنًا. وكانت لثمود قائمة خاصة أطلقتها على الشهور، وكانت تطلق على شهر رمضان اسم ديْمر. وكانوا يبدأون سنتهم بشهر ديمر هذا، أما المحرم فكانوا يدعونه موجب. وقد نظم أبو سهل عيسى بن يحيى شهور ثمود مبتدئًا بالمحرم ومنتهيًا بذي الحجة فقال:شهور ثمودٍ مُوجِبٌ ثم مُوجِرُ ومُورِدُ يتلو مُلزْمًا ثم مُصْدِر
وهوْبرُ يأتي ثم يدخلُ هوْبلٌ وموْهاءُ قد يقفوهما ثم ديْمرُ
ودابِرُ يمضي ثم يقبل حيْفلٌ ومسْبِلُ حتى تمّ فيهنّ أشْهرُ الجهاد الرمضاني:الإغارة على قوافل قريشابتدأت في رمضان من السنة الأولى للهجرة بسرية سيف البحر بقيادة حمزة - رضي الله عنه - في ثلاثين رجلاً من المهاجرين يعترضون عيراً لقريش قادمة من الشام، ثم سرية رابغ بقيادة عبيدة بن الحارث، ثم سرية الخرار بقيادة سعد، ثم سرية غزوة الأبواء بقيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم غزوة بواط بقيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضاً، ثم غزوة ذي العشيرة بقيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها للإغارة على قوافل قريش بهدف الغنيمة.سرية سيف البحر: كان أوَّل لواء عقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان، وبعثه في ثلاثين رَجُلاً مِن المهاجرين خاصّة، يعترِضُ عِيراً لقريش جاءت من الشام، وفيها أبُو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل، فبلغوا سِيْفَ البحرِ من ناحية العِيصِ، فالتَقَوْا واصطفُّوا للقتال، فمشى مجدي بن عمرو الجُهني - وكان حليفاً للفريقين جميعاً - بين هؤلاء وهؤلاء، حتى حَجَزَ بينهم ولم يقتتِلوا. غزوة (بدر الكبرى) سنة 2 للهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى في السابع عشر من رمضان، في السنة الثانية للهجرة (624م) بين المسلمين ومشركي مكة. وكان من أبرز أسبابها اضطرار المسلمين للخروج من ديارهم بمكة، والهجرة إلى المدينة بعد أن نكّل الكفار بهم واغتصبوا ممتلكاتهم، ومنعوهم من أداء فريضة الحجّ والعمرة.كانت موقعة بدر ذات أثر كبير في إعلاء شأن الإسلام، ولذا سُمّيت في القرآن بيوم الفرقان، أي اليوم الذي فرق فيه الله بين الحقّ والباطل. ونزلت سورة الأنفال حول وقائع هذه الغزوة..لفتت آيات هذه السورة أنظار المسلمين إلى أوجه القصور الأخلاقي الذي ما زالوا عليه، ليسعوا في إصلاح نفوسهم، وبينت لهم أن النصر من عند الله حتى لا يغتروا بأنفسهم.ووعظت المشركين والمنافقين واليهود وأسرى المعركة، لعلهم يهتدون إلى الحق، وقننت للمسلمين مبادئ وأسس الغنائم، وبينت لهم بعض قوانين الحرب والسلم التي تقوم على الأخلاق والمثل العليا، وقررت لهم بنودًا من قوانين الدولة الإسلامية التي تقيم الفرق بين المسلمين الذين يسكنون داخل حدودها، والذين يسكنون خارجها. كما نزل بسورة آل عمران آيات كثيرة بشأن هذه الغزوة.وكان من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين وأصبحوا مرهوبين في المدينة وما جاورها، كما أنها تركت في نفوس أهل مكة المشركين أحزانًا وآلامًا شديدة بسبب هزيمتهم ومن فُقدوا أو أُسروا مثلما حصل لأبي لهب الذي أصيب بالعلة ومات، وأبي سفيان الذي فقد أحد أبنائه وأُسر له آخر. كما أَن النصر المبين قد أبان حقيقة ما في نفوس اليهود والمنافقين والمشركين في المدينة من حقد وتآمر ضد محمد – صلى الله عليه وسلم - وأَصحابه.كان في غزوة بدر الكبرى عبر كثيرة، منها:أثر القوى الروحية والمعنوية: وأساس هذه القوى هو الإيمان بالله وبالرسول وبالرسالة المحمدية، وهو إيمان عميق الجذور، متشعب الفروع. وهو سر الانتصار في هذه الغزوة وفي غيرها من معارك الإسلام.النصر من عند الله: كانت الإمدادات الإلهية بجند الله من الملائكة تثبّت قلوب المؤمنين وتشارك في القتال أحيانًا، قال تعالى: ﴿إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبّتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأَعناق واضربوا منهم كل بنان﴾ [الأنفال: 12]. وقال تعالى: ﴿وما النصر إلاَّ من عند الله﴾ [آل عمران: 126].مبدأ الشورى في الحرب: فقد أخذ النبي – صلى الله عليه وسلم - برأي الحباب بن المنذر في تخيُّر مكان نزول الجيش ورأي سعد بن معاذ في بناء العريش واستشار أصحابه في القتال عندما علم بخروج قريش في حشودها، وفي الأسرى أَيُقتلون أم يُفادون؟.أخلاق رسول الله السامية: وقد سُجّلت هذه في الأمر بدفن القتلى، وفي الإحسان إلى الأسرى، وفي منعه عمر أن ينزع ثنية سهيل بن عمرو حتى لا يقوم ضد النبي خطيبًا.سياسة رسول الله: وتتجلّى في استشارة أصحابه عندما ترجَّح جانب القتال بخروج جيش قريش، وفي اختياره ثلاثة من ألصق الناس به وذوي قرباه: اثنان من بني هاشم وواحد من بني عبد المطلب لمبارزة القرشيين الثلاثة. وهو إعلان بأن أقرباء النبي – صلى الله عليه وسلم - الأقربين سيكونون في مقدمة المسلمين تضحية بالنفس وفداءً للرسول والإسلام.كما تتجلى هذه المواهب السياسية في إسهام رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لكل من لم يحضر الغزوة لتخلفه في مصلحة عامة أو خاصة، وكذلك إسهامه لمن استشهدوا في بدر وإعطاء حقوقهم لورثتهم وذويهم. وبذلك كان للإسلام السَّبق في تكريم الشهداء ورعاية أسرهم وأبنائهم منذ حوالي أربعة عشر قرنًا.عدالة النبي التامة في أَخذ الفداء من القادرين عليه وعدم محاباته لذوي قرباه، بل كان الأمر على خلاف ذلك، فقد أغلى الفداء على عمه العباس، ولم يقبل أن يتنازل له أخواله من الأَنصار عن شيء منه..رسول الله – صلى الله عليه وسلم - له أن يجتهد فيما لم ينزل فيه وحي. وقد اجتهد رسول الله في غزوة بدر في موضوع الأسرى ونزل الوحي معاتبًا ومبيّنًا: ﴿ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يُثخن في الأرض﴾ [الأنفال: 27]. غزوة (بني سليم من غطفان) سنة 2 للهجرة:كانت بقيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان سنة 2 هـ، بقصد فض جمعهم وقض مضجعهم ومنعهم من الإغارة على المدينة، وكان من أمرهم أنهم فروا ولم يحدث قتال ولكن أقام في ديارهم ثلاثة أيام ليرهبهم، وغنم خمسمائة بعير.سرية أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -كانت في رمضان سنة 6هـ لتأديب فزارة في وادي القرى لتآمرهم على اغتيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد هزم القوم وغنم وأسر وسلم المسلمون. سرية أبي بكر الصديق سنة 6 للهجرة:كانت إلى وادي القري.. حيث كان بطن من فَزَارة يريد اغتيال النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق.قال سَلَمَة بن الأكْوَع: وخرجت معه حتى إذا صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة، فوردنا الماء، فقتل أبو بكر من قتل، ورأيت طائفة وفيهم الذراري، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فأدركتهم، ورميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم وقفوا، وفيهم امرأة هي أم قِرْفَة، عليها قَشْعٌ من أدِيم، معها ابنتها من أحسن العرب، فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر، فنفلني أبو بكر ابنتها، فلم أكشف لها ثوباً، وقد سأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنت أم قِرْفَة، فبعث بها إلى مكة، وفدي بها أسري من المسلمين هناك..وكانت أم قرفة شيطانة تحاول اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، وجهزت ثلاثين فارساً من أهل بيتها لذلك، فلاقت جزاءها، وقتل الثلاثون. فتح (مكة) سنة 8 للهجرة:كان فتح مكة في العشرين من رمضان من السنة الثامنة الهجرية، وسببه أنه جاء ضمن شروط صلح الحديبية الذي عقده رسول الله – صلى الله عليه وسلم - مع قريش في ذي القعدة من السنة السادسة الهجرية: (من شاء أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل). فدخلت خزاعة في دين رسول الله وعهده، ودخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم.واستمرت الهدنة بين المسلمين والكفار نحو سنة ونصف السَّنة، ثم إن بني بكر بمعاونة قريش وثبوا على خزاعة ليلاً. فاستنجدت خزاعة برسول الله – صلى الله عليه وسلم - فاستنفر النبي المسلمين والقبائل التي حول المدينة فبلغوا نحو عشرة آلاف مقاتل، فغزا بهم مكة، لنقضهم عهد الحديبية..وكان من نتائج هذه الغزوة أن قُتل في المناوشات أثناء دخول المسلمين مكة ثلاثة من المسلمين وثلاثة عشر رجلاً من المشركين وكان هناك بعض الجرحى..أمَّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - الناس إلا أربعة رجال وامرأتين أهدر دماءهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة، لأعمال خطيرة ارتكبوها في حق المسلمين، وفي هذا عبرة للطغاة المستهزئين بأرواح الأبرياء في كل زمان ومكان.قضى هذا الفتح على الوثنية قضاءً مبرمًا وسيطر المسلمون على الموقف السياسي والديني في جزيرة العرب، ولم تمض سنتان إلا وكان عرب الجزيرة تحت راية الإسلام.. وفي هذا الشهر المبارك من نفس السنة جهز رسول الله عدداً من السرايا لمواجهة بعض القبائل المتفرقة وإزالة بعض المعالم الشركية: سرية غالب الليثي:كانت في رمضان السنة الثامنة للهجرة قصدت بني عوال وبني عبد ابن ثعلبة بالميفعة وفيها انتصر المسلمون وعادوا سالمين غانمين. سرية أبي قتادة:كانت في رمضان سنة ثمان، سار فيها أبو قتادة إلى بطن أضم بعيداً عن مكة بهدف التعمية على تحرك الجيش الإسلامي باتجاه مكة، وقد حقق أبو قتادة الهدف والتحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة. سرية خالد بن الوليد في (نخلة):كانت في رمضان سنة ثمان لهدم صنم العزى في نخلة. سرية عمرو بن العاص (برهاط):كانت في رمضان سنة ثمان بهدف هدم صنم سواع برهاط، وقد هدمه. سرية سعد بن زيد:كانت في رمضان سنة ثمان لهدم صنم مناة وقد هدمه. غزوة (تبوك) سنة 9 للهجرة: دارت وقائعها في رمضان من العام التاسع الهجري.. وذُكر من أسبابها أن هرقل ـ ملك الروم ـ جمع جموعاً من الروم وقبائل العرب الموالية له لحرب المسلمين، فعلم بهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فخرج إليهم في نحو ثلاثين ألفاً، في سنة مجدبة وحرّ شديد. ورجع عبد الله بن أُبَيّ من الطريق. وتخلّف نحو ثمانين من المنافقين كفرًا وعنادًا. وتخلّف عُصاة، مثل: مرارة بن الربيع وكعْب بن مالك وهلال بن أمية، وهم المسمون في القرآن الكريم في سورة التوبة بالثلاثة الذين خُلِّفوا، وقد تاب الحق تبارك وتعالى عليهم بعد ذلك بعد أن اعتذروا.عندما وصل النبي إلى تبوك هابه الروم فتفرقوا، فلم يتوغل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في أرض الروم، ورجع بعد أن صالح يُحَنَّة بن رؤبة صاحب أيلة، وأُكيدر دومة الجندل، وقذف الرعبَ في قلوب الروم. وكان رجوعه منها في رمضان..وكان لهذه الغزوة أعظم أثر في بسط نفوذ المسلمين وتقويته على جزيرة العرب، فقد تبين للناس أنه ليس لأي قوة من القوات أن تعيش في بلاد العرب سوى قوة الإسلام، وبطلت بقايا آمال كانت تتحرك في قلوب بقايا الوثنيين والمنافقين الذين كانوا يتربصون بالمسلمين الدوائر، وكانوا قد عقدوا آمالهم بالروم، ولكنهم استكانوا بعد هذه الغزوة.ونزل القرآن ليفضح نوايا هؤلاء وخاصة المنافقين، الذين أمر الله بالتشديد عليهم، ونهى عن قبول صدقاتهم، وعن الصلاة على من مات منهم، وعن الاستغفار لهم والقيام على قبورهم، وأمر بهدم مسجدهم (مسجد الضرار) الذي بنوه وكرًا لدسائسهم. وتتابع قدوم الوفود على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وتكاثر إلى أن بلغ القمة بعد هذه الغزوة، لتجديد البيعة أو إعلان إسلام أقوامهم.وصالح رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في هذه الغزوة القبائل وسكان مناطق الحدود الشمالية بين الحجاز وأرض الشام، فَأَمَّنُوا بذلك قاعدة متقدمة أمامية لعملياتهم المقبلة باتجاه الروم في أرض الشام. معركة (البويب) سنة 13 للهجرة:كانت هذه المعركة بالعراق نظير معركة اليرموك التي وقعت بالشام، وقد بدأت فصولها عندما انهزم المسلمون أمام الفرس في وقعة (الجسر) وذلك في شعبان سنة 13 للهجرة.فبلغ الخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فندب الناس إلى الانضواء تحت قيادة المثنى بن حارثة الذي انحاز بالمسلمين غربيّ نهر الفرات، وأرسل إلى من بالعراق من أمراء المسلمين يطلب منهم الإمداد، وأرسل إلى عمر فبعث إليه بمدد كثير فيهم جرير بن عبد الله البجلي على رأس قبيلته "بجيلة" ، كما أرسل كلاً من هلال بن علقمة و عبدالله بن ذي السهمين ومعهما طائفة من الرباب وأفراد من قبائل خثعم، ولما وفد إلى عمر ربعيّ بن عامر بن خالد وعمر بن ربعيّ بن حنظلة في نفرٍ من قومهما ألحقهما بالعراق، لتتوالى الوفود في نصرة إخوانهم ومدّهم بالقوّة والسلاح.وترامت الأنباء إلى رستم قائد الفرس بأن المسلمين قد حشدوا له الحشود، فجهّز جيشاً عظيماً بقيادة "مهران الهمداني"، ولما سمع المثنى بذلك كتب إلى أطراف الجيش الذين قدموا لنجدته قائلاً لهم: "إنا جاءنا أمرٌ لم نستطع معه المقام حتى تقدموا علينا، فعجّلوا اللحاق بنا، وموعدكم "البويب", وهو مكان بأرض العراق قريب من الكوفة اليوم، فتوافوا جميعاً هناك في شهر رمضان سنة 13 للهجرة.وكان مهران قد وقف في الجهة المقابلة لنهر الفرات، وأرسل إلى المثنى يقول له: "إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك"، فقال له المثنى: "بل اعبروا إلينا"، فعبر مهران فنزل على شاطئ الفرات، وأقبل الفرس في ثلاثة صفوف مع كل صفٍّ فيل، ولهم زجلٌ وصياح: فقال المثنى لأصحابه: "إن الذي تسمعون فشل فالزموا الصمت".ثم عبّأ المثنى جيشه وأمرهم بالإفطار ليتقووا على عدوهم فأفطروا، وطاف بين الصفوف وهو على فرسه، فجعل يمر على كل راية من رايات الأمراء والقبائل، يحرضهم ويرفع معنوياتهم ويحثهم على الجهاد والصبر ويثني عليهم بأحسن ما فيهم. وكلما مرّ على صفٍّ قال لهم: "إني لأرجو ألا يؤتى الناس من قبلكم بمثل اليوم، والله ما يسرني اليوم لنفسي شيء إلا وهو يسرني لعامَّتِكم" فيجيبونه بمثل ذلك، وأنصفهم من نفسه في القول والفعل، وخالط الناس فيما يحبون وما يكرهون، فاجتمع الناس عليه ولم يعب له أحد قولاً ولا فعلاً، وفي ذلك دلالة بيّنة على حنكته في قيادة جنده وحسن تدبيره، حيث حرص على استمالة قلوب جنده مما يكون له أثر بالغ في وحدة الصف وقوة التلاحم بين أفراد الجيش.ثم قال لهم: إني مكبر ثلاثًا فتهيّئوا فإذا كبَّرت الرابعة فاحملوا، فلما كبَّر أول تكبيرة عاجلتهم الفرس وحملوا عليهم، فالتحم الفريقان واقتتلوا قتالاً شديداً، وعندها رأى المثنى خللًا في بعض صفوفه بعث إليهم رجلاً يقول لهم: "الأمير يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: لا تفضحوا المسلمين اليوم"، فتماسَكُوا واعتَدَلُوا..ولما طال القتال جمع المثنى نفراً من أصحابه الشجعان يحمون ظهره، وحمل هو على مهران فأزاله عن موضعه حتى أدخله في الميمنة، وزاد المثنّى من ضغطه على العدوّ حتى اختلطت الصفوف، واشتدّ القتال.ثم تقدّم المسلمون نحو قلب الجيش بما فيهم المثنى وكوكبة من فرسان الجيش، وحمل المنذر بن حسان بن ضرار الضبي على مهران فطعنه، واجتز رأسه جرير بن عبد الله البجلي، فتضعضع جيش الفرس، وحاولوا الفرار ولحق المسلمون في إثرهم، وكان المثنى قد سبق إلى الجسر فوقف عليه ليمنع الفرس من العبور عليه، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى قيل: إنه قتل منهم يومئذ وغرق قريبٌ من مائة ألف، وبقيت جثث القتلى وعظامهم دهراً طويلاً، وسمي هذا اليوم بيوم الأعشار، فقد وجد من المسلمين مائة رجل كلُّ رجل منهم قَتَل عشرة من الفرس.وهكذا أذلّ الله رقاب الفرس، واقتصّ منهم المسلمون بعد الهزيمة التي لحقت بهم في معركة الجسر، ومهَّدت وقعة البويب للفتوحات في بلاد العراق، والقضاء على الإمبراطورية الفارسية. دخول الفتح الإسلامي (مصر) سنة 20 للهجرة:في الأول من رمضان عام 20هـ الموافق 13 أغسطس 641م، وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دخل الفتح الإسلامي مصر على يد عمرو بن العاص - رضي الله عنه - وأصبحت مصر بلدًا إسلامية..وتمكّن عمرو بن العاص من فتح مدن مصر واحدة تلو الأخرى، فاستولى على العريش، وعلى الفرما ـ مفتاح مصر الشرقي ـ وعلى بلبيس، وعلى حصن بابليون ـ مفتاح مصر السفلي ـ الذي احتمت به قوات الروم، ودافعت عنه لمدة سبعة أشهر، إلى أن تم فتحه صلحًا في عام 21هـ، 641م.واستولى على الفيوم أثناء حصاره حصن بابليون. وتتابع الفتح حتى مناطق مصر السفلى؛ مما اضطر الروم إلى الاحتماء بأسوار عاصمتهم الإسكندرية الحصينة. ولحق بهم المسلمون وحاصروهم مدة، إلى أن فُتحت صُلْحًا عام 21هـ، 641م..ولم تمض سنوات ثلاث على هذا الصلح حتى قاد الروم ثورة لطرد المسلمين عام 25هـ، 645م، في عهد قائد المسلمين عبد الله بن أبي السرح. وهنا اقتنع عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بإعادة عمرو بن العاص إلى القيادة. وتمكن عمرو من هزيمة الروم في نقيوس والاستيلاء على الإسكندرية ثانية عام 25هـ، 645م، ودك أسوارها لكيلا يطمع فيها الروم مرة أخرى. بدء فتح (الأندلس) سنة 91 للهجرة:في 1 رمضان 91هـ الموافق 710م نزل المسلمون بقيادة طريف بن مالك البربري إلى الشاطئ الجنوبي لبلاد الأندلس وغزوا بعض الثغور الجنوبية، وبدأ فتح الأندلس، وكان موسى بن نُصير قد بعث طريف بن مالك لاكتشاف الطريق لغزو الأندلس. معركة (وادي لكة) سنة 92 للهجرة:كانت في أواخر رمضان من عام 92هـ الموافق 711م. ووقعت بين المسلمين بقيادة طارق ابن زياد والقوط بأسبانيا (الأندلس) بقيادة ملكهم رودريك. وعرفت هذه المعركة أيضًا بـ معركة شريس وترجع أسباب هذه المعركة إلى الآتي:عندما عين الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك موسى بن نصير واليًا على أفريقيا، أخضع ساحل شمالي أفريقيا كله لسلطان المسلمين عدا مدينة سبتة التابعة للقوط الغربيين حكام أسبانيا، وبينما كان يحاول فتحها فاوضه حاكمها المسمى يوليان على الصلح. وعرض عليه أن يساعده على حرب إمبراطور أسبانيا المدعو رودريك ويسميه المسلمون لذريق واستشار موسى الخليفة الوليد بن عبدالملك في هذا العرض، فوافق ونبه موسى إلى أهمية أخذ الحذر والاحتياط؛ خشية أن يكون في الأمر خدعة.عبر طارق بحر الزقاق الذي عرف باسمه في سفن يوليان حاكم سبتة، عام 92هـ الموافق 711م، وأرسى سفنه عند صخرة الأسد التي تُعرف الآن باسم جبل طارق. ثم أخذ في التقدم إلى الداخل حتى وصل بحيرة لا ينده. وعندما علم بحشود ملك القوط رودريك لملاقاته، طلب المدد من ابن نصير فأمده بسفن وخمسة آلاف جندي ليبلغ جيشه اثني عشر ألفًا، انضم إليهم يوليان حاكم سبتة في قوة صغيرة وكان جيش القوط ضعف هذا العدد.والتقى الجيشان على ضفاف وادي لكة، ودارت المعركة الفاصلة على مدى ثمانية أيام، وهزم القوط، ويُرجّح أن قائدهم فريدريك قد مات غرقاً، إذ لم يعثر له على أثر. وتتبع طارقُ القوطَ وحال بينهم وبين الاجتماع مرة أخرى..ونتج أيضًا عن هذه المعركة أن تقدم طارق إلى الداخل بعد تقسيم جيشه إلى أربع فرق، احتلت إحداها مدينة قرطبة واحتلت الثانية غرناطة واحتلت الثالثة مالقة، واحتلت الفرقة الرابعة بقيادة طارق نفسه مدينة طليطلة عاصمة القوط، تتبع حامية العاصمة التي فّرت إلى مدينة المائدة ففتحها واستولى على كنوز طليطلة المخبأة بها. وبهذا كانت معركة وادي لكة مفتاحًا لفتح بلاد الأندلس.أراد ابن نصير أن يكون له شرف فتح الأندلس ونيل نصيب من غنائمها؛ لذا طلب من طارق التوقف عن الزحف. ولكن طارقا رأى أن من الحكمة العسكرية أن يستمر في الغزو. ولم ير موسى بُدَّاً من اللحاق بالأندلس، فبدأ زحفه بالاستيلاء على مدينة شذونة ثم قرمونة ثم أشبيليَّا عاصمة الرومان القديمة وأعظم مدن أسبانيا ثم ماردة. والتقى البطلان في طليطلة، وعاقب موسى طارقًا وسجنه، وتدخل الخليفة لإطلاقه..ثم سارا بعدئذ لفتح شمالي الأندلس، مثل أرغونة و قشتالة و كتالونيا، وسرقسطة وبرشلونة، حتى بلغا جبال البرانس، فتم بذلك فتح الأندلس ماعدا الأقاليم الجبلية في الشمال الغربي التي لجأ إليها أشراف القوط. معركة (بلاط الشهداء) سنة 114 للهجرة:بلاط الشهداء اسم أطلقه المؤرخون العرب على المعركة الفاصلة التي دارت في أوائل شهر رمضان سنة 114هـ بين قوات المسلمين بقيادة والي الأندلس للأمويين عبد الرحمن الغافقي وقوات الفرنجة بقيادة شارل مارتل في سهل بواتييه (بالقرب من مدينة تور على نهر اللوار وعلى مسافة 340 كم إلى الجنوب الغربي من باريس). التسمية:(البلاط) في اللغة العربية تعني القصر أو الرخام، قيل: سميت هذه المعركة ببلاط الشهداء؛ لأن المعركة وقعت بالقرب من قصر مهجور. وقيل: سميت المعركة ببلاط الشهداء بسبب الطريق المعبد من زمان الرومان الذي قاتلا الجانبان عليه. وأضيفت كلمة الشهداء لكثرة ما وقع في تلك المعركة من قتلى للمسلمين.أما الأوروبيون فينسبون المعركة لمدينة تورز التي وقعت المعركة بالقرب منها فيسمونها معركة تور وتسمى كذلك معركة بواتييه لوقوعها أيضاً بالقرب من بلدة بواتييه في فرنسا, ويقول الدكتور شوقي خليل بأن بلاط هنا لا تعني الطريق المبلط ولكن (البلاط) في الأندلس تعني (القصر) أو(حصن حوله حدائق تابعه له).وكان من أسبابها ما يلي:لم تلبث الأندلس أن اضطرمت بالفتن الداخلية ومقاومة النصارى للحكم الإسلامي. فوقعت معركة تولوشة (تولوز) عام 102هـ الموافق 722م بين المسلمين والنصارى، ولم ينتصر فيها المسلمون وُقتل قائدهم السَّمح بن مالك، فتقهقروا إلى سبتمانيا واضطرب أمرهم إلى أن عُيّن عليهم عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي سنة 113هـ الموافق 731 م، الذي ضبط أمرهم.وكانت ولاية عبد الرحمن الغافقي الثانية على الأندلس في صفر سنة 112هـ، وما إن وصل إليها حتى بدأ يمهد للغزو في أرض غالية (فرنسا اليوم)، فحشد قواته في بامبلونة في صيف 114هـ ثم عبر جبل (البرت) من ممرات رونسيسفال وتوجه مباشرة نحو (برذيل) وفي منطقة غير بعيدة عن مصب نهر الغارون هَزَم عبد الرحمن أودو دوق أكيتانية، ودخلت الجيوش الإسلامية مدينة بوردو ثم تابعت تقدمها نحو الشمال. وأراد عبد الرحمن أن يؤمِّن الولايات الشمالية الأندلسية ويحبط مؤامرات أورو دوق فرنسا لزعزعة أمن المسلمين في الأندلس؛ لذا دخل فرنسا سنة 114هـ الموافق 732م، واستولى على مدينة آرل على نهر الرون ثم على ولاية أكوتين، ثم بوردو بروال، ثم ليون وبيزنصون، ووصل حتى صانص قرب العاصمة الفرنسية باريس ثم سار غربًا إلى ضفاف اللوار ليتم فتح هذه المنطقة، ثم يقصد إلى باريس.استنجد دوق أكيتانية بشارل مارتل الذي أدرك خطر الهجوم الإسلامي على دوقيته التي جهد في توطيد أركانها، فبادر إلى حشد جيش ضخم ضم الفرنج وكثيراً من القبائل الجرمانية والعصابات المرتزقة فيما وراء الراين، وسار شارل مارتل على رأس هذا الجيش لمواجهة العرب الذين كانوا قد استولوا على بواتييه، وهاجموا تور الواقعة على الضفة اليسرى لنهر اللوار، وكان المسلمون في أثناء سيرهم المظفر قد أُثقِلوا بما لا يقدر من الذخائر والغنائم والسبي، وقدَّر عبد الرحمن خطر هذه الغنائم على نظام الجيش وخشي ما تثيره في نفوس الجند من الحرص والانشغال، وحاول أن يحملهم على ترك شيء منها ولكنه لم يتشدد في ذلك خشية التمرد، وكان المسلمون من جهة أخرى قد أنهكتهم غزوات أشهرٍ متواصلة، ونقص عددهم بسبب تخلف حاميات في القواعد والمدن المفتوحة، ومع ذلك فقد صمم عبد الرحمن على قتال العدو وخوض المعركة، التي جَرَت في موقع على طريق روماني قديم يبعد 20كم إلى الشمال الشرقي من بواتييه. وبدأ القتال في أواخر شعبان سنة 114هـ ودارت بين الجيشين معارك صغيرة على مدى سبعة أيام أو ثمانية احتفظ فيها كل بمراكزه، وفي اليوم التاسع نشبت بين الطرفين معركة عامة، فاقتتلا حتى دخول الليل، واستأنفا القتال في اليوم التالي وأبدى كلا الجانبين منتهى الجلد، ولاح النصر في جانب المسلمين ولكن الفرنج نجحوا في فتح ثغرة إلى معسكر الغنائم الإسلامي، وخشي المسلمون عاقبة ذلك فارتدَّت قوة من الفرسان من قلب المعركة إلى ما وراء الصفوف لحماية الغنائم، وتواثب كثير من الجند للدفاع عن غنائمه، فدب الخلل في صفوف المسلمين، وبينما كان عبد الرحمن يحاول أن يعيد النظام إلى صفوف الجند أصابه سهم من الأعداء أودى بحياته، فعمَّ الاضطراب في جيش المسلمين وكثر القتل في صفوفهم؛ مما شل حركة الجيش الإسلامي, ثم انسحابه إلى قواعده في سبتمانيا، سنة 115هـ الموافق 733م. وأخذ الفرنسيون في تأمين حدودهم من المسلمين، فاستولوا على قاعدتهم سبتمانيا وأجلوا المسلمين عن فرنسا.ولم يستقر الوضع في الأندلس حتى انتهت الخلافة الأموية ذاتها في المشرق عام 132هـ الموافق 750م. وتمكّن أحد أفراد الأسرة الأموية ـ عبد الرحمن بن معاوية ـ من الخروج إلى الأندلس، وتولّى أمرها بعد هزيمة مناوئيه في معركة المسارة الشهيرة قرب قرطبة سنة 138هـ الموافق 756م، واستقر وضع المسلمين ـ بعد ذلك ـ فترة من الزمن. فتح (عمورية) سنة 223 للهجرة:طمع تيوفيل بن ميخائيل ملك الروم في بلاد المسلمين، خاصة عندما علم أن جنود المسلمين جميعهم في أذربيجان يواصلون فتوحاتهم..فأخذ يعبئ الجنود، وخرج قائدًا على مائة ألف من الروم لقتال المسلمين، فوصل إلى حصن زبطرة، فقتل الأطفال والشيوخ، وخرّب البلاد، وأسر النساء وسباهن، وانتهك أعراضهن وحرماتهن، ومثّل بكل من وقع في يده من المسلمين. وكان من ضمن النساء امرأة اقتادها جنود الروم للأسر، فصرخت هذه المرأة، وقالت: "وامعتصماه".فلما وصل الخبر إلى المعتصم خليفة المسلمين استشاط غضبًا، وأخذته الحمية والغضب لله، وقال: "لبيك"..وأخذ في الاستعداد، وجمع الجنود، وأعدّ العدة، وخرج على رأس جيش لنجدة المسلمين، وعسكر بهم في غربي نهر دجلة, وبعث "المعتصم" عجيف بن عنبة وعمرًا الفرغاني لنجدة أهل زبطرة.فوجدا أن الروم كانوا قد رحلوا عنها بعد الفواحش الكثيرة التي ارتكبوها بأهلها. ولكن المعتصم أصرّ على تتبع الروم وعدم الرجوع عن قتالهم، فسار إلى بلادهم، وسأل عن أقوى حصونها، فعلم أنها عمورية؛ حيث لم يتعرض لها أحد من القادة المسلمين من قبل، وأنها أفضل عند الروم من القسطنطينية نفسها، فصمّم المعتصم على فتح هذه المدينة، رغم ما تلقاه من تحذيرات المنجمين وتخويفهم له من أن ذلك الوقت ليس وقت فتح عمورية؛ إذ قال له المنجمون: "رأينا في الكتب أن عمورية لا تفتح في هذا الوقت، وإنما وقت نضج التين والعنب". لكن المعتصم لم يستجب لهم، ولم يرضخ لخرافاتهم، وقرر فتح عمورية.أقام المعتصم على نهر سيحان، وأمر أحد قادته وهو "الإفشين" أن يدخل بلاد الروم عن طريق "الحدث"، كما أمر "أشناس" أن يدخل عن طريق "طرسوس"، وحدد لهما يومًا يلتقيان فيه عند أنقرة..واجتمع الجيش عند أنقرة ثم دخل المدينة، وسار حتى وصل عمورية، ونظّم المعتصم الجيش.. وقام الجيش الإسلامي بحصار المدينة حصارًا شديدًا، حتى استطاع أن يُحدث ثغرة في سورها، فاندفع الجنود داخل المدينة، وحاربوا بكل قوة وشجاعة؛ حتى سيطروا على المدينة، وانتصروا على الروم. كان ذلك يوم الجمعة السادس من شهر رمضان سنة 223 للهجرة. وقعة (حارم) سنة 559 للهجرة:فتح نور الدين محمود زنكي قلعةَ حارم في شهر رمضان سنة 559هـ؛ وسبب ذلك أن نور الدين لما عاد منهزمًا من البقيعة، تحت حصن الأكراد، فرَّق الأموالَ والسلاح، وغيرَ ذلك من الآلات، فعاد العسكرُ كأنهم لم يُصابُوا، وأخذوا في الاستعداد للجهاد والأخذ بثأره.واتَّفق مسيرُ بعض الفرنج مع ملكهم في مصر، فأراد أن يقصد بلادهم؛ ليَعودوا عن مصر، فأرسل إلى أخيه قطب الدين مودود، صاحب الموصل وديار الجزيرة، وإلى فخر الدين قرا أرسلان، صاحب حصن كيفا، وإلى نجم الدين ألبي، صاحب ماردين، وغيرهم من أصحاب الأطراف يستنجدهم, فأجابه بعضهم..فلما اجتمعت العساكر سار نحو حارم فحصرها ونصب عليها المجانيق، وتَابَع الزحف إليها، فاجتمع مَن بقي بالساحل مِن الفرنج..فلمَّا تقاربوا اصطفُّوا للقتال، فبدأ الفرنج بالحملة على ميمنة المسلمين، وفيها عسكر حلب وصاحب الحصن، فانهزم المسلمون فيها، وتبعهم الفرنج، فقيل كانت تلك الهزيمة من الميمنة على اتفاقٍ ورأي دبروه، وهو أن يتبعهم الفرنج، فيبعدوا عن راجلهم، فيميل عليهم مَن بقي من المسلمين بالسيوف فيقتلوهم، فإذا عاد فرسانهم لم يلقوا راجلاً يلجؤون إليه، ولا وزرًا يعتمدون عليه، ويعود المنهزمون في آثارهم، فيأخذهم المسلمون من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، فكان الأمر على ما دبروه: فإن الفرنج لما تبعوا المنهزمين عطفَ زينُ الدين علي في عسكر الموصل على راجل الفرنج فأفناهم قتلاً وأسرًا، وعاد خيالتهم، ولم يُمعنوا في الطلب خوفًا على راجلهم، فعاد المنهزمون في آثارهم، فلما وصل الفرنج رأَوْا رجالَهم قتلى وأسرى، فسُقِط في أيديهم، ورأَوْا أنهم قد هلكوا، وبقوا في الوسط قد أحدق بهم المسلمون من كل جانب، فاشتدت الحرب، وقامت على ساقٍ، وكثر القتلُ في الفرنج، وتمَّت عليهم الهزيمة.قال أبو شامة المقدسي: "وبلغني أن نور الدين - رحمه الله تعالى - لما التقى الجمعان، أو قبيله، انفرد تحت تل حارم وسجد لربه - عز وجل - ومرَّغ وجهَه وتضرع، وقال: يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك".معركة (عين جالوت) سنة 658 للهجرة:(عين جالوت) بلدة من أعمال فلسطين وهي بلدة بين بيسان ونابلس.استمر المغول في زحفهم المدمر حتى دخلوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، واستطاع "هولاكو" - حفيد جنكيز خان - إسقاط الخلافة العباسية، وقتْل الخليفة العباسي سنة 1258م، وتدمير بغداد عاصمة الخلافة..وواصل هولاكو تقدمه، فاستولى على حلب ودمشق، وكان بغي التتار قد امتد وزاد حتى احتلوا بلدة "الخليل" وبلدة "غزة" من أرض فلسطين، وقتلوا الرجال، وسبوا النساء والصبيان، واستاقوا من الأسرى عدداً كبيراً، ولم يبق أمامه إلا مصر فأرسل هولاكو رسالة تهديد لحاكم مصر آنذاك السلطان "سيف الدين قطز"، ويطلب منه الاستسلام، فأبى السلطان قطز، وأخذ يعد جيوشه وأرسل قوة استطلاعية بقياد "بيبرس" الذي استطاع أن يهزم إحدى الفرق المغولية .ورحل السلطان قطز بعساكره ونزل الغور بعين جالوت في فلسطين، وكانت جموع التتار هناك.. وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 658 هجرية قامت معركة عنيفة بين الفريقين، وتقاتلوا قتالاً شديدًا لم ير الناس مثله، واشتد الأمر في بدء المعركة على المسلمين، فاقتحم قطز ميدان المعركة، وباشر القتال بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم بلاء حسنًا. وحقق المسلمون نصرًا ساحقًاً على جيش المغول، وأسروا قائدهم، وأمر "قطز" بقتله..وانتهت بانتهاء معركة عين جالوت أسطورة الجيش المغولي الذي لا يقهر، واستطاع المسلمون إنقاذ العالم كله من همجية المغول وخطرهم، والذين أخذوا يفرون إلى ديارهم وهم يجرون أذيال الخيبة والهزيمة في عين جالوت , وكانت هذه المعركة البداية لدولة المماليك في مصر والشام. فتح (أنطاكية) سنة 666 للهجرة:كانت مدينة أنطاكية من مدن الشام التي شملها الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد فتحها المسلمون عقب معركة اليرموك بقيادة أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - وظلت هذه المدينة بأيدي المسلمين إلى أن بدأت الحملات الصليبية على بلاد الإسلام سنة 491هـ، فكانت من أوائل المدن التي سقطت في قبضة الصليبيين مدينة أنطاكية؛ وذلك لأهميتها البالغة عندهم بحكم موقعها المتحكم في الطرق الواقعة في المناطق الشمالية للشام؛ ولأنها مقر مملكة هرقل أيام الفتح الإسلامي للشام، فعملوا على إزالة أي أثر إسلامي فيها، وحولوا المساجد إلى كنائس، واهتموا بتحصينها غاية الاهتمام لتكون نقطة انطلاق لهم إلى البلاد الأخرى، حتى بنوا عليها سوراً طوله اثنا عشر ميلاً، وعلى هذا السور ما يقارب مائة وستة وثلاثين برجاً، وفي هذه الأبراج ما يقارب أربعة وعشرين ألف شرفة، يطوف عليها الحراس كل يوم وليلة على التناوب، فغدت من أعظم المدن في ذلك الحين مناعة وحصانة .وظلت أنطاكية في أيدي الصليبيين قرابة مائة وسبعين عاماً حتى قيض الله لها من يخلصها منهم وهو الملك الظاهر بيبرس الذي تولى سلطنة المماليك سنة 658هـ، وأخذ على عاتقه استرجاع البلاد الإسلامية من أيدي الصليبيين، فقام بطرد التتار من الشام إلى العراق ليتفرغ لقتال الصليبيين، وبدأ يفتح المدن الواحدة تلو الأخرى، ففتح قيسارية وأرسوف وصفد، ثم أخذ الكرك ويافا، وضرب قلعة عكا، ثم نزل على حصن الأكراد فحمل إليه أهله من الفرنج الأعطيات فأبى أن يقبلها وقال: "أنتم قتلتم جنديّاً من جيشي وأريد ديته مائة ألف دينار"، وبذلك مهد الطريق لفتح أنطاكية، واستطاع عزلها عن المدن المجاورة، وقَطَع كل الإمدادات عنها.وفي الرابع والعشرين من شعبان سنة 666هـ خرج بيبرس من طرابلس دون أن يطلع أحدًا من قادته على وجهته، وأوهم أنه يريد بلداً آخر غير أنطاكية، فنزل على حمص، ومنها إلى حماة، ثم إلى فامية، وكان يسير بالليل وينزل على البلاد بالنهار، حتى لا يتمكن الصليبيون من معرفة هدفه، وعمل على تقسيم جيشه إلى ثلاث فرق، اتجهت فرقة منها إلى ميناء السويدية لتقطع الصلة بين إنطاكية والبحر، وفرقة أخرى اتجهت إلى الشمال لسد الممرات بين قلقيلية والشام، ومنع وصول الإمدادات من أرمينية الصغرى.أما الفرقة الرئيسية التي كانت بقيادته فتوجهت مباشرة إلى إنطاكية، وضرب حولها حصارًا محكمًا في أول رمضان سنة 666هـ.[size=16]وبعد أن فرض عليها الحصار طلب أهلُها | |
|
الاستاذ ابراهيم .
عدد المساهمات : 3855 تاريخ الميلاد : 16/11/1967 العمر : 57
| موضوع: رد: رمضان في التاريخ الإسلامي وتصحيح المفاهيم ( تقرير السبت أغسطس 06, 2011 9:21 pm | |
| | |
|