الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب. عالم الغيب، راحم الشيب، منزل الكتاب. ساتر العيب، كاشف الريب، مزلل الصعاب. مغيث الملهوف، دافع الصروف، رب الأرباب. خالق الخلق، باسط الرزق، مسبب الأسباب. مالك الملك، مسخر الفلك، مسير السحاب . الحمد لله مذلل الصعاب، خالق البحر العباب،
جعل التذكرة نافعة لأولي الألباب،
والصلاة والسلام على خير البرية الذي عم نوره الأرض فأضاءها كالقمر لا كالشهاب، ونال من رحمته كل شيء
وصلي اللهم علي محمد وعلى كل الآل بيته واصحابه، صلاة وسلامًا تنال ثوابها إلى يوم فصل الخطاب.
وبعد،،
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، والزموا سنة نبيكم محمد تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون::: لقد أكمل الله هذا الدين ورضيه وأتمَّ به نعمته . . كتاب الله، وسنة رسوله محمد لم يتركا في سبيل الهداية قولاً لقائل، ولم يدعا مجالاً لمتشرِّع، العاقد عليهما بكلتا يديه، مستمسك بالعروة الوثقى، ظافر بخيري الدنيا والأخرى
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3].)) وَأَنَّ هَاذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].
روى الطبراني بإسناد صحيح عن النبي أنه قال:
((ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه))[صحيح، أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: كتاب الجامع - باب القدر، حديث (20100)، وابن أبي شيبة: كتاب الزهد - باب ما ذكر عن نبينا في الزهد (8/129)، والطبراني في المعجم الكبير، حديث (1647)، قال الهيثمي في المجمع: ورجال الطبراني رجال الصحيح، غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو ثقة (8/264).].
كل عبادات المتعبدين يجب أن تكون محكمة بحكم الشرع في أمره ونهيه، جارية على نهجه، موافقة لطريقته، وما سوى ذلك فمردود على صاحبه:
((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))[صحيح، أخرجه مسلم: كتاب الأقضية - باب نقض الأحكام الباطلة... حديث (1718).]،
((ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))[صحيح، أخرجه البخاري: كتاب الصلح - باب إذا اصطلحوا على صلح جور... حديث (2697)، ومسلم: كتاب الأقضية - باب نقض الأحكام الباطلة... حديث (1718).].
بذلك صح الخبر عن الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام.
يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله في السنن الراشدة:
سن رسول الله وولاة الأمر من بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستعمال لطاعة الله وقوة على دين الله، ليس لأحد تغيير فيها، ولا النظر في رأي يخالفها، من اقتدى بها فهو مهتدٍ، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً.
أيها المؤمنون:
إن غير سبيل المؤمنين نزعاتٌ وأهواءٌ، وضلالٌ عن الجادة، وشقٌ لعصا الطاعة، ومفارقةٌ للجماعة.
لقد رسم الشرع للعبادات والتكاليف طرقاً خاصة على وجوه خاصة زماناً ومكاناً، وهيئة وعدداً، وقصر الخلق عليها أمراً ونهياً، وإطلاقاً وتقييداً، ووعداً ووعيداً، وأخبر أن الخير فيها، والشر في تجاوزها وتعدِّيها
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:216].
والرسل برحمة الله إلى خلقه مرسلون، ومن رام غير ذلك، وزعم أن ثمَّة طرقاً أُخَر، وعَبَدَ الله بمستحسنات العقول؛ فقد قدح في كمال هذا الدين، وخالف ما جاء به المصطفى الأمين، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وكأنه يستدرك على الشريعة نقائص.
يقول ابن الماجشون:
سمعت مالكاً رحمه الله يقول:
من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنةً؛ فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله يقول
((: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3].)). فما لم يكن يومئذٍ ديناً؛ فلا يكون اليوم ديناً.
الابتداع وتلمُّس المسالك والطرق معاندةٌ للشرع ومشاقةٌ له. وهو محض اتباع الهوى فليس ثمَّة إلا طريقان:
إما طريق الشرع،
وإما طريق الهوى...
يقول الله عزّ وجلَّ: فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص:50].
لقد حصرت الآية الكريمة الحكم في أمرين لا ثالث لهما:
((( إما الاستجابة للمصطفى))))...(((( وإما اتباع الهوى.)))).
ولئن قصد صاحب البدعة ـ
أيها الإخوة ـ ببدعته التقرب إلى الله والمبالغة في التعبد؛
فليعلم أن في هذا مداخل للشيطان عريضة في مسالك ملتوية ووسوسات مميلة، ولم يرضَ هذا المبتلى بما حدَّه الشارع وقدَّره؛ فخرج عن هذه الضوابط وتفلَّت من هذه القيود، وقد يصاحب ذلك عُجبٌ وحبٌّ في الظهور، مع ميول النفس بطبعها إلى قبول الجديد الذي لم تعهده قطعاً للسآمة والملل.
إن القيام بالتكاليف الشرعية فيه كُلفةٌ على النفس؛ لأن فيه مخالفةً للهوى، ومنازعةً للرغبات، فيثقلُ هذا على المبتدع، والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها.