الحمد لله رب الأرض والسماء نحمده جلّ في علاه من لا إله غيره ولا رب سواه إله الأولين والآخرين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه الله اليقين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين
أما بعدعباد الله نحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى أمرنا في كتابه الكريم بالكفر بالطاغوت والإيمان به سبحانه وتعالى قائلا {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة 256
فالكفر بالطاغوت والإيمان بالله ركنان أساسيان لا يتم أحدهما بدون الآخر فقول لا إله يعني الكفر بالطاغوت وقول إلا الله يعني الإيمان بالله جل في علاه
ومن الكفر بالطاغوت ألا نتحاكم إليه في شئ من الأمور البتة
كما قال سبحانه وتعالى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء 60:59
يأمرنا الله في هذه الآيات بالرد عند التنازع إلى الكتاب والسنة لا غير ويبين لنا سبحانه أن هذا الرد خير للعبد في الدنيا وأحسن مآلا في الآخرة ويبين لنا سبحانه وتعالى أيضا حال المتحاكمين إلى الطاغوت وأنهم مع زعمهم الإيمان أنهم كفروا وضلوا ضلالا بعيدا
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم
وإن من أقبح السيئات وأعظم المنكرات التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضعية ، والنظم البشرية ، وعادات الأسلاف والأجداد التي قد وقع فيها كثير من الناس اليوم وارتضاها بدلاً من شريعة الله التي بعث بها رسوله محمداً ، ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق ، ومن أكبر شعائر الكفر والظلم والفسوق وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن وحذر عنها الرسول ، قال تعالى [ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً وإذ قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً ] وقال تعالى وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون .أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) وقال عز وجل ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) وهذا تحذير شديد من الله سبحانه وتعالى لجميع العباد من الإعراض عن كتابه وسنة رسوله والتحاكم إلى غيرهما ، وحكم صريح من الرب عز وجل على من حكم بغير شريعته بأنه كافر وظالم وفاسق ومتخلق بأخلاق المنافقين وأهل الجاهلية
فاحذروا أيها المسلمون ما حذركم الله منه ، وحكموا شريعته في كل شيء ، واحذروا ما خالفها ، وتواصوا بذلك فيما بينكم وعادوا وابغضوا من أعرض عن شريعة الله أو تناقصها أو استهزأ بها في التحاكم إلى غيرها ، لتفوزوا بكرامة الله وتسلموا من عقاب الله ، وتؤدوا بذلك ما أوجب الله عليكم من موالاة أوليائه الحاكمين بشريعته الراضين بكتابه وسنة رسوله ، ومعاداة أعدائه الراغبين عن شريعته المعرضين عن كتابه وسنة رسوله .والله المسئول أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم ، وأن يعيذنا وإياكم من مشابهة الكفار والمنافقين ، وأن ينصر دينه ويخذل أعداءه إنه على كل شيء قدير . وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم القيامة
وقال في موضع آخر
إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد (ص) ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين لقول الله عز وجل : (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ....إلى أن قال .
وقد نفى الله الإيمان عن من أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول (ص) من المنافقين كما قال تعالى : (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً) فإن قوله عز وجل : (يزعمون) تكذيب لهم فيما ادعوه من الإيمان فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي (ص) مع الإيمان في قلب عبد أصلاً بل أحدهما ينافي الآخر . و (الطاغوت ) مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد ، فكل من حكم بغير ما جاء به الرسول(ص) أو حاكم إلى غير ما جاء به النبي ص) فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه وذلك أنه من حق كل أحد أن يكون حاكماً ما جاء به النبي (ص) فقط لا بخلافه كما أنه من حق كل أحد أن يحاكم إلى ما جاء به النبي (ص) فمن حكم بخلافه أو حاكم إلي خلافه فقد طغى وجاوز حده حكماً أو تحكيماً فصار بذلك طاغوتاً لتجاوزه حده" وتأمل قوله عز وجل : ( وقد أمروا أن يكفروا به ) تعرف منه معاندة القانونيين وإرادتهم خلاف مراد الله منهم حول هذا الصدد فالمراد منهم شرعاً والذي قيل لهم ثم تأمل قوله : ( ويريد الشيطان أن يضلهم) كيف دل على أن ذلك ضلال وهؤلاء القانونيين يرونه من الهدى ، كما دلت الآية على أنه من إرادة الشيطان ، عكس ما ينصر القانونيين من بعدهم الشيطان وأن أوضاعهم مصلحة للإنسان فتكون على زعمهم مرادات الشيطان هي صلاح الإنسان : ومراد الرحمن وما بعث به سيد ولد عدنان معزولاً عن هذا الوصف ومنحي عن هذا الشأن. وقد قال تعالى منكراً على هذا الضرب من الناس ومقرراً ابتغائهم أحكام الجاهلية وموضحاً أن لا حكم أحسن من حكمه : (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) فتأمل هذه الآية الكريمة وكيف دلت على أنه قسمة الحكم ثنائية وأنه ليس بعد حكم الله تعالى إلا حكم الجاهلية الموضح أن القانونيين في زمرة أهل الجاهلية شاءوا أم أبوا بل هم الأسوأ منهم حالا وأكذب منهم مثالا ذلك أن أهل الجاهلية لا تناقض لديهم حول هذا الصدد . وأما القانونيين فمتناقضون حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول (ص) ويناقضون ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء : (أولئك هم الكافرون حقاًُ واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً) ثم انظر كيف ردت هذه الآية الكريمة على القانونيين ما زعموه من حسن زبالة أذهانهم ونحاتة أفكارهم بقوله تعالى عز وجل (ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ) قال الحافظ بن كثير في تفسيره هذه الآية : ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواء من الأرآء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم (جنكيز خان) الذي وضع لهم كتابا مجموعاً من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله (ص) فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير قال تعال: (أفحكم الجاهلية يبغون ) أي يبتغون ويريدون وعن حكم الله يعدلون (ومن أحسن من الله حكماًُ لقوم يوقنون) أي ومن أعدل من الله أحكم الحاكمين وأرحم من الوالدة بولدها فإنه تعالى هو العالم بكل شيء القادر على كل شيء العادل في كل شيء
تـــــــابــــــــــــــع