الله محيط
بالمكان والزمان
عرفنا
أن للكون
بداية من عدم، ونهاية إلى عدم،
وهذا
في
حد ذاته إثبات لوجود الله وقدراته
اللانهائية.
يقول أديموند
ويتيكر:
(ليس
هناك ما يدعو إلى أن نفترض
وجود مادة وطاقة قبل الانفجار
العظيم)
، وإلا
فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها ؟
والأبسط
أن
نفترض الخلق من العدم
بمعنى
إبداع
الإرادة الإلهية للخلق من العدم،
علماً
بأن هذه
الصورة لا تكتمل إلا بوجود الإله )
..
لأن
شيئاً ما لابد أن يكون موجوداً على
الدوام؟
هذا
الشيء غير مادي (لأن المادة لها بداية)
..
ولابد
للمادة أن تكون من خلق عقل أزلي الوجود..
هذا
الكائن،
وهذا العقل الأزلي، هو الله ...
إن
اكتشاف
بداية الكون وتوقع نهاية له سوف يؤدي
حتماً
إلى
الإيمان بوجود الله، والعلم اليقيني يؤكد
وجود الله
على
هؤلاء
الكفار الدهريين الذين اعتقدوا
الكون
مستقراً
بلا بداية ولا نهاية،
أي الكون المستقر الأزلي الدائم
Steady state universe.
نحن
نعلم أنه
لو كان الكون أزلياً
ـ
كما اعتقد
البعض قديماً ـ
لما
بقيت
في الكون حياة ولما بقي إشعاع ذري
أو
إشعاع
خلفية الكونية، ولفقدت النجوم كل طاقتها،
منذ زمن
بعيد.
ويرد
القرآن على أمثال هؤلاء الملحدين الدهريين،
أصحاب
مذهب
الكون الأزلي بقول الله تعالى :
(وقالوا ما هي إلا حياتنا
الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر
وما لهم بذلك من علم إن هم إلا
يظنون)
[ الجاثية].
وهناك
فرضية
أخرى طرحها بعض العلماء
تجنباً
لافتراض
حتمية بداية الكون ونهايت
ه ـ
تدعى (نظرية الكون المتذبذب أزلياً
)،
أي :
انفجار ـ تمدد ـ انكماش ـ انسحاق،
ثم
انفجار جديد لتتكرر الدورة )
فلا
بداية ولا
نهاية، بل دورات أزلية من التمدد
والانكماش.
وهذه
النظرية
عليها تحفظات كثيرة،
كما يقول
الفيزيائي
بلودمان:
إن
عالمنا لا يمكن له أن يتكرر في
المستقبل،
ونحن
ندرك الآن أن أي كون مغلق،
كعالمنا،
لا
يمكن
أن يمر إلا بدورة واحدة
من
دورات
التمدد والانكماش
وذلك
بسبب
ضخامة الأنتروبيا (القصور
الحراري)
المتولدة
في كوننا، الذي هو أبعد ما يكون عن التذبذب.
وسواء
كان
الكون مغلقاً أو مفتوحاً،
مرتداً
أم متمدداً على وتيرة واحدة،
فإن
التحولات غير المعكوسة في أطوار
الكون
تدل
على
أن لهذا الكون بداية ووسطاً ونهاية
محددة.
كذلك
فإن
نظرية (الكون
المتذبذب)
لا
تنسجم مع
(النسبة العامة
)،
ومن هنا يخلق (جون
ويلر)
إلى
أن عملية
انكماش كبيرة وهائلة وواحدة من شأنها
أن
تنهي الكون
إلى الأبد بانهيار واحد!!
وبذلك
ندرك أنه
عندما يحدث انهيار بالجاذبية
في
المستقبل فسنكون قد وصلنا إلى نهاية
الزمن،
وما
من
أحد قط استطاع أن يجد في معادلات النسبية
العامة
أدنى
حجة تؤيد
القول بعملية تمدد أخرى جديدة،
أو
بوجود
كون متذبذب، أي دورات أزلية،
أو
شيء
آخر سوى النهاية، ولا شيء غير النهاية ..
وسبحان
الله
فالعلم الصحيح قبس من أنور
القرآن.
ويقول الله
تعالى عن الانكماش الكوني المتوقع في
المستقبل :
(يوم
نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول
خلق
نعيده
وعداً
علينا إنا كنا فاعلين )
[الأنبياء].
أي :
انتظروا
يوماً ينطوي فيه الكون بسماواته
وأرضه تماماً كما يطوي الكاتب
الصحف والكتب
ليعود
الكون بالانسحاق العظيم إلى حيث بدأ ..
هذا الانسحاق واضح أيضاً في
قول الله تعالى:
(وحّملت الأرض
والجبال فدكتا دكةّ واحدة
)
[ الحاقة].
وقوله
سبحانه
وتعالى:
(ويسألونك عن
الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً
)
[ طه].
ويكرر
القرآن
الكريم التأكيد على هول هذه
اللحظة،
التي يسميها العلماء "
الانسحاق العظيم"
(Big
Crush)،
ويسميها الله :
الساعة والحاقة والصاخة والطامة
الكبرى
والقارعة
وكلما تقرع الأذن وتهز القلوب والوجدان
من
هول يوم
يتبدل فيه الكون.. كما في قوله تعالى
:
(يوم تبدل الأرض غير الأرض
والسماوات وبرزوا لله الواحد
القهار)
[إبراهيم ].
والله
قادر على
إعادة خلق الكون، كما قوله تعالى:
(.. إنه يبدأ الخلق ثم يعيده .)
[يونس].
ويتساءل
العلماء:
هل
سنلاحظ إزاحة زرقاء في طيف المجرات بمجرد
بدء
الانكماش في المستقبل ؟
..
والجواب :
نعم.
فهذه الإزاحة علامة فيزيائية من علامات
القيامة.
ويتساءلون
أيضاً،
هل
تستحيل الحياة في طور الانكماش مستقبلاً
لأن
الظروف لن
تكون ملائمة لوجود كائنات حية،
حيث
تكون كل
النجوم ميتة وقد انتهى وقودها
وتحولت
إلى
أجرام متكورة كالثقوب السوداء؟
وهل
(على سبيل
الخيال العلمي )
سيموت
الناس
قبل أن يولدوا في زمن معكوس عند الانكماش؟ .
وهل
ستعود
الكواكب المكسورة لتجمع نفسها المضاد،
أي
كلما ازداد
الكون انكماشاً؟
وغير ذلك من أسئلة مثيرة (1).
والجواب
المنطقي والعلمي، في رأي ـ
أن
هذا
الانقلاب الزمني لن يحدث في طور
الانكماش
لأنه
لا
تماثل بينه وبين التمدد ،
لأن
طور
الانكماش ستسيطر عليه الثقوب
السوداء
التي
ستطحن وتسحق كل شيء سحقاً.
وسوف
تستحيل
الحياة في هذا الطور،
لأن
الكون
سيكون ـ كما يقول ستيفن
هوكنج ـ
في
حالة اضطراب
كامل.
وأعتقد، بل
وأؤكد، أنا شخصياً ـ كفيزيائي مسلم ـ
أن طور
الانكماش سيكون مصحوباً بأحداث كونية
هائلة،
كما ورد
بالقرآن الكريم، كتكور الشمس وابتلاع
كواكبها في
باطنها،
وبالتالي
اختفاء الكواكب وانتثارها وتسجير
البحار
واشتعالها
وزوال الجبال، كما في قول الله تعالى :
(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ
{1} وَإِذَا
النُّجُومُ انكَدَرَتْ {2} وَإِذَا
الْجِبَالُ
سُيِّرَتْ
{3}
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ {4}
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ {5} وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ
{6}
وَإِذَا
النُّفُوسُ زُوِّجَتْ {7}
وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ
سُئِلَتْ {8} بِأَيِّ
ذَنبٍ قُتِلَتْ {9}
وَإِذَا
الصُّحُفُ
نُشِرَتْ{10} وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ
{11}
[سورة
التكوير].
وقال الله
تعالى:
(إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ {1}
وَإِذَا
الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ {2} وَإِذَا
الْبِحَارُ
فُجِّرَتْ {3}
[
الانفطار].
وقال
الله تعالى:
(
إِذَا
السَّمَاء انشَقَّتْ {1} وَأَذِنَتْ
لِرَبِّهَا
وَحُقَّتْ {2} وَإِذَا الْأَرْضُ
مُدَّتْ
{3} وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ
{4}
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا
وَحُقَّتْ)
[
الإنشقاق].
وقال
الله
تعالى:
(يوم يكون
الناس كالفراش المبثوث* وتكون الجبال كالعهن
المنفوش
)
[القارعة
].
حقاً
إن مرحلة
الانكماش قيامة صغرى قبل الانسحاق العظيم ،
ولن
تبقى حياة
على وجه الأرض،
بل
سيقول
الإنسان يومئذ أين المفر،
كما
ورد
في قول الله تعالى :
(فإذا بر
البصر * وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر *
يقول
الإنسان يومئذ أين المفر
*
كلا لا وزر
* إلى ربك
يومئذ المستقر )
[
القيامة ].
ولن
يحدث
استقرار للحياة في يوم تمور السماء فيه
موراً،
وترجف
الأرض والجبال
وتخرج
الأرض كل
الاثقال إخراجاً،
في
زلزال
عملاق لا يمكن تصوره،
كما
أشار
الله إلى هذا وذلك بقوله تعالى :
(إذا زلزلت الأرض زلزالها *
وأخرجت الأرض أثقالها
).
(وإذا
الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت
)
[
الانشقاق].