الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين،
أحمده - سبحانه - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله خاتمُ النبيين،
وإمام المرسلين، وقائدُ الغُرِّ المُحجَّلين،
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين،
وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله:
إنه على الرغم من أن النعم التي منَّ الله بها على عباده كثيرةٌ
لا يأتي عليها البيان ولا يُحصِيها العادُّ،
كما قال - سبحانه -:
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [إبراهيم: 34]،
غيرَ أنه - سبحانه - حين أراد تذكيرَ قريشٍ بنِعَمه قال في مقام الامتنان:
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش: 4]،
فذكر نعمتَيْن أنعم بهما عليهم، وهما: نعمة الشِّبَع ونعمة الأمن،
وفي تخصيص هاتين النعمتين بالذكر سرٌّ عظيم وفَّق الله المُلهَمين
من المُفسِّرين والخُبراء إلى كشفه وبيان أسراره،
وحاصلُه: أن هاتين النعمتين الجليلتين هما الغايةُ القُصوى للحياة على ظهر الأرض؛
فالشِّبَع هو مِلاكُ الحريات الاقتصادية، والأمنُ هو مِلاكُ الحريات السياسية،
وبهما يبسُط العدلُ الاجتماعي والعدلُ السياسي ظِلالَهما اللذان تهفُو إليهما الأُمم كافةً،
وتسعدُ بهما الشعوب.
فإذا ظفِر بهما أيُّ بلدٍ من بلاد الله كان لزامًا عليه أداءُ حقٍّ الله عليه بالإيمان به،
والمُسارعة إلى طاعته، وابتغاء مرضاته؛ بتحليل حلاله، وتحريم حرامه،
ولذا قال - سبحانه -: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ [قريش: 3].
ويُؤكِّد هذا المعنى ويزيدُه وضوحًا:
ما جاء في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
من قوله:
«من أمسَى آمنًا في سِرْبه، مُعافًى في بدنه،
عنده قُوتُ يومه وليلته؛ فكأنما حِيزَت له الدنيا»؛
أخرجه الترمذي في "جامعه" بإسنادٍ حسن.
فإذا نسيت الأُمم هذا الخيرَ كلَّه وتمرَّدَت على ربها حُرِمت ما يسَّر لها من ضروريات ومُتَع،
كما قال - سبحانه -:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
[النحل: 112].
وفي مُقابلة الشِّبَع والأمن في النعم بالجوع والخوف في النِّقَم
ما يجعل هذا المعنى شديد الوضوح،
بيِّنَ المنزِع، غنيَّ الدلالة.
فاتقوا الله - عباد الله -، واذكروا نعمة الله عليكم إذ هداكم للإسلام،
ومنَّ عليكم بما لا تُحصُون من النعم العِظام، والمِنَن الجِسام،
ولا تُبدِّلوا نعمة الله كفرًا، واذكروا أن السعيد هو المُعتبِرُ بعبَر الأيام،
والمُتَّعِظُ بعِظات الزمان، فابتَغى الوسيلة إلى رضا الرب الرحيم الرحمن.
واذكروا على الدوام أن الله قد أمركم بالصلاة والسلام
على خاتم النبيين وإمام المتقين ورحمة الله للعالمين،
فقال - سبحانه -:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد،
وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ،
وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،
واحفظ بلاد المسلمين أجمعين من كيد الكائدين وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين
وتسلُّط الأعداء أجمعين.
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئت،
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئت،
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئت يا رب العالمين،
اللهم إنا نجعلك في نُحور أعدائك وأعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم،
اللهم إنا نجعلك في نُحورهم ونعوذ بك من شرورهم،
اللهم إنا نجعلك في نُحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم احفظ هذه البلاد سالمةً من كل سوء، حائزةً كل خير،
وجميع بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم احفظ المسلمين في ليبيا،
اللهم احفظ المسلمين في ليبيا وفي جميع بلاد المسلمين يا رب العالمين،
وجنِّبنا وإياهم القلاقِل والفتن ما ظهر منها وما بطَن،
واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا،
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا،
وأيِّد بالحق وليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانة الصالحة،
ووفِّقه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء.
اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين،
وإلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، يا من إليه المرجع يوم التناد.
اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها،
وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة،
اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها،
وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا،
وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي فيها معادُنا،
واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموتَ راحةً لنا من كل شر.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وتركَ المنكرات،
وحُبَّ المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا،
وإذا أردتَ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتونين.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
[الأعراف: 23]،
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
[البقرة: 201].
وصلَّى اللهم وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
والحمد لله رب العالمين.