حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَ هَنَّادٌ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ
عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و على آله و صحبه وَ سَلَّمَ
( إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ
فَلْيُصَلِّ وَ لَا يُبَالِي مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ )
قَالَ وَ فِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَ ابْنِ عُمَرَ
وَ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَ أَبِي جُحَيْفَةَ
وَ أمنا أم المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضى الله عنها و عن أبيها
قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ طَلْحَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَ قَالُوا سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ .
الشـــــــــــــــروح
) بَابُ مَا جَاءَ فِي سُتْرَةِ الْمُصَلِّي (
قَوْلُهُ : ( مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ )
هُوَ الْعُودُ الَّذِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ رَاكِبُ الرَّحْلِ وَ فِي الْمُؤَخِّرَةِ لُغَاتٌ ضَمُّ الْمِيمِ
وَ سُكُونِ الْهَمْزَةِ وَ كَسْرِ الْخَاءِ حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدٍ وَ أَنْكَرَهَا يَعْقُوبُ ،
وَ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَ الْخَاءِ مَعًا مَعَ تَشْدِيدِ الْخَاءِ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمَشَارِقِ ،
وَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : الْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ مُشَدَّدًا وَ أَنْكَرَهَا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ :
وَ لَا تُشَدَّدُ ، وَ سُكُونُ الْهَمْزَةِ وَ فَتْحُ الْخَاءِ الْمُخَفَّفَةِ حَكَاهَا صَاحِبُ السَّرَقُسْطِيِّ
فِي غَرِيبِهِ وَ أَنْكَرَهَا ابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَ فَتْحُ الْمِيمِ وَ سُكُونُ الْوَاوِ مِنْ غَيْرِ هَمْزَةٍ
وَ كَسْرُ الْخَاءِ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمَشَارِقِ .
وَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ فِيهَا آخِرَةُ الرَّحْلِ بِالْمَدِّ وَ كَسْرِ الْخَاءِ ،
وَ كَذَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْآتِي . وَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : إِنَّهُ الصَّوَابُ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ .
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ مُؤَخِّرَةَ الرَّحْلِ فِي مِقْدَارِ أَقَلِّ السُّتْرَةِ ،
وَ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهَا بِفِعْلِ ذَلِكَ ، فَقِيلَ ذِرَاعٌ ، وَ قِيلَ ثُلُثَا ذِرَاعٍ وَ هُوَ أَشْهَرُ ،
لَكِنْ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ مُؤَخِّرَةَ رَحْلِ ابْنِ عُمَرَ كَانَتْ قَدْرَ ذِرَاعٍ ، انْتَهَى .
وَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ أَقَلَّ السُّتْرَةِ مُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ
وَ هِيَ قَدْرُ عَظْمِ الذِّرَاعِ هُوَ نَحْوُ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ ، وَ يَحْصُلُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ هَكَذَا ،
وَ شَرَطَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ فِي غِلَظِ الرُّمْحِ ، انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَ فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ
وَ ابْنِ عُمَرَ وَ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ وَ أَبِي جُحَيْفَةَ وَ عَائِشَةَ )
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .
وَ أَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ ،
وَ أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .
وَ أَمَّا حَدِيثُ سَبْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا .
وَ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .
وَ أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ طَلْحَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ ( وَ قَالُوا سُتْرَةُ الْإِمَامِ لِمَنْ خَلْفَهُ )
أَيْ مِنَ الْمَأْمُومِينَ فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إِلَى اتِّخَاذِ سُتْرَةٍ
لَهُمْ عَلَى حِدَةٍ بَلْ يَكْفِيهِمْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ ،
وَ تُعْتَبَرُ تِلْكَ السُّتْرَةُ لَهُمْ أَيْضًا ، وَ لِهَذَا يَكُونُ الْمُرُورُ الْمُضِرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي
فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ هُوَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي فِي حَقِّ الْإِمَامِ . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ :
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا أَيِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَ فِيهِ : فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ
الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَ أَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَ دَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ ،
يَخُصُّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ : إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ ،
فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْإِمَامِ وَ الْمُنْفَرِدِ ، فَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا قَالَ : وَ هَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ .
وَ كَذَا نَقَلَ عِيَاضٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومِينَ يُصَلُّونَ إِلَى سُتْرَةٍ ،
لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ سُتْرَتُهُمْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ أَمْ سُتْرَتُهُمُ الْإِمَامُ نَفْسُهُ ، انْتَهَى .
وَ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ الصَّحَابِيِّ
أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَمَرَّتْ حَمِيرٌ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ
فَأَعَادَ بِهِمُ الصَّلَاةَ ، وَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : إِنَّهَا لَمْ تَقْطَعْ صَلَاتِي
لَكِنْ قَطَعَتْ صَلَاتَكُمْ . فَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا نُقِلَ مِنَ الِاتِّفَاقِ
وَ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ عَنْ عَاصِمٍ
عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا : سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ ،
وَ قَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ سُوَيْدٌ عَنْ عَاصِمٍ ، انْتَهَى .
وَ سُوَيْدٌ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ . وَ وَرَدَتْ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ مَوْقُوفٍ عَلَى ابْنِ عُمَرَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ .
وَ يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ عِيَاضٌ فِيمَا لَوْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ أَحَدٌ ،
فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ مَنْ خَلْفَهُ يَضُرُّ صَلَاتَهُ وَ صَلَاتَهُمْ مَعًا ،
وَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْإِمَامَ نَفْسَهُ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ يَضُرُّ صَلَاتَهُ وَ لَا يَضُرُّ صَلَاتَهُمْ ،
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي